الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ومعنى : ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ) أي يكاد الحق الذي دعوا إليه فخالفوه أن يهلكهم .

وقوله : ( كُلَّمَا( {[1037]} ) أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ )[ 19 ] .

هو مثل لما أظهروا من الإيمان الذي حقن دماءهم ومنع من( {[1038]} ) أموالهم . ( وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) : أي ثبتوا على ما أبطنوا من كفرهم .

وقال ابن مسعود : " كان رجلان من المنافقين هربا من( {[1039]} ) النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، واشتد عليهم البرق والصواعق وأيقنا بالهلاك ، فقالا : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً( {[1040]} ) صلى الله عليه وسلم ، نضع بأيدينا في يده ، فأصبحا( {[1041]} ) فأتياه ، وحسن( {[1042]} ) إسلامَهُما . فضرب الله شأنهما وما نزل بهما مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة . وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً( {[1043]} ) مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم من نفي أو قتل كما فعل الرجلان خوفاً من صوت الصواعق " ( {[1044]} ) .

ودل على ذلك قوله تعالى : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ )( {[1045]} ) .

وعن ابن مسعود أيضاً في الآية أن قوله : ( كُلَّمَا( {[1046]} ) أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ ) معناه : إذا كثرت أموالهم وغنموا ودامت سلامتهم قالوا : إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق( {[1047]} ) وتمادوا على إظهار الإيمان وهو قوله : ( كُلَّمَا( {[1048]} ) أضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ( {[1049]} ) ) أي تمادَوْا على حالهم ، فإذا أحربوا( {[1050]} ) وهلكت أموالهم ، قالوا : هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : ( وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي رجعوا( {[1051]} ) إلى كفرهم ونفاقهم( {[1052]} ) .

وقال الحسن : " معنى المثل( {[1053]} ) الأول في قوله : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ) أنه تعالى مثل المنافقين كمثل رجل يمشي في ليلة مظلمة وفي يده شعلة من نار فهو يبصر بها موضع قدميه ، فبينا( {[1054]} ) هو( {[1055]} ) كذلك أحوج ما كان إلى الضياء طُفئت ناره/ فلم يبصر كيف يمشي . وإن المنافق( {[1056]} ) تكلم ب " لا إله إلا الله " فناكح بها المسلمين وحقن دمه وأحرز ماله . فلما كان عند الموت والحاجة/ إليها سلبه الله إياها إذ لم( {[1057]} ) تكن حقيقة ، فبقي لا شيء معه كما بقي ذلك الرجل في ظلمة لا ضوء معه " .

وقيل : هي مثل في اليهود إذ في كتابهم ذكر محمد [ عليه السلام( {[1058]} ) ] وصفته ، فرأوه وعلموه فلم ينفعهم ذلك وكفروا به على علم منهم أنه نبي حق( {[1059]} ) " .

وعلى أن( {[1060]} ) الأمثال ضربها الله في المنافقين أكثر أهل التفسير .

قال الربيع بن( {[1061]} ) أنس : معنى ذلك مثلهم كمثل قوم صاروا في ليلة مظلمة فيها رعد ومطر وبرق على جادة ظلماء ، فإذا [ أبرق أبصروا ]( {[1062]} ) ومشوا ، / وإذا أظلم( {[1063]} ) تحيروا( {[1064]} ) وشكوا في الجادة . وكذلك المنافق ؛ إذا تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له الأمر ، وإذا شك تحيَّر وانتكس( {[1065]} ) فصار في ظلمة من أمره( {[1066]} ) " .

قوله : ( وَلَوْا شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ( {[1067]} ) )[ 19 ] الآية( {[1068]} ) .

/خص الله جل ذكره ذكر السمع والبصر [ لتقدم ذكرهما( {[1069]} ) ] قبل ذلك ، ووحَّد السمع لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه( {[1070]} ) .

وقيل : معنى الآية : " لو شاء الله لأطلع نبيه صلى الله عليه وسلم( {[1071]} ) على نفاقهم( {[1072]} ) وكفرهم فيستحلَّ( {[1073]} ) دماءهم وأموالهم وأولادهم ، وفيه تهديد ووعيد .

واختلف في البرق ؛ فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " هو مخاريق الملائكة( {[1074]} ) " .

وعنه أنه قال : " يحدث( {[1075]} ) من ضرب الملك السحاب بمخراق من حديد( {[1076]} ) " .

وقال : " الرعد صوت الملك " .

وعن ابن عباس " أن البرق سوط من نور يزجي( {[1077]} ) به الملك السحاب( {[1078]} ) " يريد أن البرق نور( {[1079]} ) السوط إذا ضرب به .

وقال مجاهد : " البرق مصع الملك( {[1080]} ) " والمصع( {[1081]} ) الضرب ، والمصاع عند العرب المجالدة بالسيوف( {[1082]} ) والمخاريق( {[1083]} ) السياط ، واحدها مخراق وهو السوط .

وروى مجاهد عن ابن عباس " أن البرق ملك يتراءى( {[1084]} ) " .

وفي يَخْطَفُ " أوجه وقراءات أفصحها " يخطف " بفتح الطاء مخففاً( {[1085]} ) . ولغة( {[1086]} ) أخرى بكسر الطاء مخففاً( {[1087]} ) ، وبه قرأ علي بن الحسين وابن وثاب( {[1088]} ) ، فدل ذلك على أنه يقال : خَطَفَ ، يَخْطَفُ ، وَخَطِفَ يَخْطِف( {[1089]} ) لغتان فيه .

- ووجه ثالث : قرأ به الحسين وقتادة وعاصم الجحدري( {[1090]} ) وهو كسر الخاء والطاء والتشديد ، وأصله ، ن " يَخِطِّفُ " ، فأدغم التاء في الطاء بعد أن أسكنها( {[1091]} ) وكسر الخاء لالتقاء( {[1092]} ) الساكنين( {[1093]} ) .

- ووجه رابع( {[1094]} ) : وهو فتح الخاء وكسر الطاء مشدداً وأصله أيضاً " يَخْتَطِفُ " ، ثم ألقى حركة التاء [ على الخاء( {[1095]} ) ] ، وأدغم التاء في الطاء ، وهو مروي أيضاً عن الحسن( {[1096]} ) .

وحكى الفراء( {[1097]} ) إسكان الخاء ، والتشديد عن بعض أهل المدينة . كأنه أدغم التاء في الطاء ، وترك الخاء على سكونها في " يختطف " ، وهو بعيد ، لأنه جمع بين ساكنين ليس أحدهما حرف لين( {[1098]} ) .

- ووجه سادس : ذكره الأخفش والكسائي والفراء( {[1099]} ) ، وهو كسر الياء والخاء( {[1100]} ) والتشديد ، وهو كالوجه الثالث إلا أنه كسر الياء للاتباع( {[1101]} ) .

- ووجه سابع : قرأ به أُبَيٌ ، وهو " يَتَخَطَّفُ " على " يَتَفَعَّلُ " مثل " يَتَغَسَّلُ " ( {[1102]} ) .

ومعنى يخطف يأخذ بسرعة .

وفي " أضاء " لغتان : ضاء وأضاء بمعنى( {[1103]} ) حكاهما الفراء( {[1104]} ) .


[1037]:- في ع2: وكلما.
[1038]:- سقط من ع3.
[1039]:- في ح، ع3: عن.
[1040]:- في ع3: محمد. وهو خطأ.
[1041]:- في ع3: فأصبحنا. وهو تحريف.
[1042]:- في ع2، ع3: فحسن.
[1043]:- في ع2: خوفاً.
[1044]:- انظر: تفسيره 2/31.
[1045]:- التوبة آية 64.
[1046]:- في ع2: كما. وهو خطأ.
[1047]:- في ع3: صادق.
[1048]:- في ع2: كما. وهو خطأ.
[1049]:- سقط من ق.
[1050]:- في ع2، أخربوا. وفي ع3 حربوا.
[1051]:- في ع2: رجع.
[1052]:- انظر: تفسيره 2/31-32.
[1053]:- في ع1، ق: لمثل. وهو تحريف.
[1054]:- في ع2، ح، ع3: فبينما.
[1055]:- في ع3: هم. وهو تحريف.
[1056]:- في ع3: المنافقين. وهو خطأ.
[1057]:- في ع2: إذا. وهو تحريف.
[1058]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[1059]:- عزاه القرطبي في تفسيره 1/224 إلى ابن عباس.
[1060]:- في ح: بما. وهو خطأ.
[1061]:- في ع1، ق: ابن.
[1062]:- في ع3: برق بصروا.
[1063]:- في ع3: ظلم. وهو تحريف.
[1064]:- في ق: تخيروا. وهو تصحيف.
[1065]:- في ح: أرتكس.
[1066]:- انظر: جامع البيان 1/324.
[1067]:- تكملة ضرورية من ع2، ع3.
[1068]:- في ع3: أي وهو خطأ.
[1069]:- في ع2: لتقدمهما.
[1070]:- سقط من ق.
[1071]:- سقط "وسلم" من ع3.
[1072]:- في ع2: إنفاقهم. وهو تحريف.
[1073]:- في ع2، ع3: ويستحل.
[1074]:- انظر: جامع البيان 1/343.
[1075]:- في ح: هو يحدث.
[1076]:- انظر: جامع البيان 1/343.
[1077]:- في ع2، ق: يزجر.
[1078]:- انظر: جامع البيان 1/343، والمحرر الوجيز 1/135، وتفسير القرطبي 1/217.
[1079]:- في ق: قدر، وهو تحريف.
[1080]:- انظر: جامع البيان 1/344.
[1081]:- في ق: المضع. وهو تصحيف.
[1082]:- في ق: السيوف.
[1083]:- والمخاريق جمع مخراق، وهو ثوب يلف، (وهو) من لعب الصبيان يضرب بعضهم به بعضاً ومنه سمي السيف مخراقاً. انظر: اللسان 1/820.
[1084]:- انظر: جامع البيان 1/135، وتفسير القرطبي 1/217.
[1085]:- وعليه أكثر القراء، انظر: كتاب السبعة 148.
[1086]:- في ع2: ولعلة. وهو تحريف.
[1087]:- انظر: المحتسب 1/62، والإملاء 1/23، والمحرر الوجيز 1/137.
[1088]:- هو يحيى بن وثاب الكوفي، تابعي، ثقة. روى عن ابن عمر وابن عباس، وعرض عليه الأعمش وطلحة (ت103هـ). انظر: طبقات ابن سعد 6/299، وطبقات القراء 2/330.
[1089]:- سقط من ق.
[1090]:- هو عاصم بن أبي الصباح، البصري، قرأ على يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم (ت128هـ). انظر: طبقات ابن خياط 214، وطبقات القراء 1/349.
[1091]:- قوله: "كسر الخاء" إلى "أن أسكنها" ساقط من ع3.
[1092]:- في ع3: للالتقاء.
[1093]:- انظر: المحتسب 1/59، ومعاني القرآن 1/17، والمحرر الوجيز 1/137.
[1094]:- في ع3: الربع. وهو تحريف.
[1095]:- قوله "على الخاء" سقط من ق. وفي ع2: على الخاء على التاء.
[1096]:- انظر: معاني الفراء 1/17، والمحتسب 1/59-62، والإملاء 1/23.
[1097]:- انظر: معانيه 1/18.
[1098]:- انظر: المحتسب 1/61، وتفسير القرطبي 1/222.
[1099]:- انظر: معانيه 1/18.
[1100]:- في ع1: الحاء. وهو تصحيف.
[1101]:- في ق: لاتباع. وهو خطأ. وانظر: هذا الوجه السادس في المحتسب 1/61.
[1102]:- قوله "مثل يتغسل" سقط من ق. وانظر: هذه القراءة في المحرر الوجيز 1/138، وتفسير القرطبي 1/223.
[1103]:- سقط من ع2.
[1104]:- انظر: معانيه 1/18.