يكاد : مضارع كاد التي هي من أفعال المقاربة ، ووزنها فعل يفعل ، نحو خاف يخاف ، منقلبة عن واو ، وفيها لغتان : فعل كما ذكرناه ، وفعل ، ولذلك إذا اتصل بها ضمير الرفع لمتكلم أو مخاطب أو نون إناث ضموا الكاف فقالوا : كدت ، وكدت ، وكدن ، وسمع نقل كسر الواو إلى الكاف ، مع ما إسناده لغير ما ذكر قول الشاعر :
وكيدت ضباع القف يأكلن جثتي *** وكيد خراش عند ذلك ييتم
يريد ، وكادت ، وكاد ، وليس ، من أفعال المقاربة ما يستعمل منها مضارع إلا : كاد ، وأوشك .
وهذه الأفعال هي من باب كان ، ترفع الاسم وتنصب الخبر ، إلا أن خبرها لا يكون إلا مضارعاً ، ولها باب معقود في النحو ، وهي نحو من ثلاثين فعلاً ذكرها أبو إسحاق البهاري في كتابه ( شرح جمل الزجاجي ) .
وقال بعض المفسرين : يكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي ، وقد أنشدوا في ذلك شعراً يلغز فيه بها ، وهذا الذي ذكر هذا المفسر هو مذهب أبي الفتح وغيره ، والصحيح عند أصحابنا أنها كسائر الأفعال في أن نفيها نفي وإيجابها إيجاب ، والاحتجاج للمذهبين مذكور في كتب النحو .
كل : للعموم ، وهو اسم جمع لازم للإضافة ، إلا أن ما أضيف إليه يجوز حذفه ويعوض منه التنوين ، وقيل : هو تنوين الصرف ، وإذا كان المحذوف معرفة بقيت كل على تعريفها بالإضافة ، فيجيء منها الحال ، ولا تعرف باللام عند الأكثرين ، وأجاز ذلك الأخفش ، والفارسي ، وربما انتصب حالاً ، والأصل فيها أن تتبع توكيداً كأجمع ، وتستعمل مبتدأ ، وكونها كذلك أحسن من كونها مفعولاً ، وليس ذلك بمقصور على السماع ولا مختصاً بالشعر خلافاً لزاعمه .
وإذا أضيفت كل إلى نكرة أو معرفة بلام الجنس حسن أن تلي العوامل اللفظية ، وإذا ابتدئ بها مضافة لفظاً إلى نكرة طابقت الأخبار وغيرها ما تضاف إليه وإلى معرفة ، فالأفصح إفراد العائد أو معنى لا لفظاً ، فالأصل ، وقد يحسن الإفراد وأحكام كل كثيرة .
وقد ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير الذي سميناه بالتذكرة ، وسردنا منها جملة لينتفع بها ، فإنها تكررت في القرآن كثيراً .
لو : عبارة سيبويه ، إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وهو أحسن من قول النحويين إنها حرف امتناع لامتناع لاطراد تفسير سيبويه ، رحمه الله ، في كل مكان جاءت فيه لو ، وانخرام تفسيرهم في نحو : لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً ، إذ على تفسير الإمام يكون المعنى ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية ، إذ الأخص مستلزم الأعم ، وعلى تفسيرهم ينخرم ذلك ، إذ يكون المعنى ممتنع الحيوانية لأجل امتناع الإنسانية ، وليس بصحيح ، إذ لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية ، إذ توجد الحيوانية ولا إنسانية .
وتكون لو أيضاً شرطاً في المستقبل بمعنى أن ، ولا يجوز الجزم بها خلافاً لقوم ، قال الشاعر :
لا يلفك الراجوك إلا مظهرا *** خلق الكرام ولو تكون عديماً
وتشرب لو معنى التمني ، وسيأتي الكلام على ذلك عند قوله تعالى : { فلو أن لنا كرة فتبرأ منهم } إن شاء الله تعالى ، ولا تكون موصولة بمعنى أن خلافاً لزاعم ذلك .
شاء : بمعنى أراد ، وحذف مفعولها جائز لفهم المعنى ، وأكثر ما يحذف مع لو ، لدلالة الجواب عليه .
قال الزمخشري : ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد ، يعني حذف مفعوليهما ، قال : لا يكادون يبرزون هذا المفعول إلا في الشيء المستغرب ، نحو قوله :
فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته***
وقوله تعالى : { لو أرادنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه } و { لو راد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى } انتهى كلامه .
قال صاحب التبيان ، وذلك بعد أن أنشد قوله :
فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته *** عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
متى كان مفعول المشيئة عظيماً أو غريباً ، كان الأحسن أن يذكر نحو : لو شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته ، وسر ذكره أن السامع منكر لذلك ، أو كالمنكر ، فأنت تقصد إلى إثباته عنده ، فإن لم يكن منكراً فالحذف نحو : لو شئت قمت .
وفي التنزيل : { لو نشاء لقلنا مثل هذا } انتهى .
وليس ذلك عندي على ما ذهبنا إليه من أنه إذا كان في مفعول المشيئة غرابة حسن ذكره ، وإنما حسن ذكره في الآية والبيت من حيث عود الضمير ، إذ لو لم يذكر لم يكن للضمير ما يعود عليه ، فهما تركيبان فصيحان ، وإن كان أحدهما أكثر .
فأحدهما الحذف ودلالة الجواب على المحذوف ، إذ يكون المحذوف مصدراً دل عليه الجواب ، وإذا كانوا قد حذفوا أحد جزأي الإسناد ، وهو الخبر في نحو : لولا زيد لأكرمتك ، للطول بالجواب ، وإن كان المحذوف من غير جنس المثبت فلأن يحذف المفعول الذي هو فضلة لدلالة الجواب عليه ، إذ هو مقدر من جنس المثبت أولى .
والثاني : أن يذكر مفعول المشيئة فيحتاج أن يكون في الجواب ضمير يعود على ما قبله ، نحو قوله تعالى : { لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه } وقول الشاعر :
فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته***
وأما إذا لم يدل على حذفه دليل فلا يحذف ، نحو قوله تعالى : { لمن شاء منكم أن يستقيم } { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } .
الشيء : ما صح أن يعلم من وجه ويخبر عنه ، قال سيبويه ، رحمه الله ، وإنما يخرج التأنيث من التذكير ، ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى ؟ والشيء مذكر ، وهو عندنا مرادف للموجود ، وفي إطلاقه على المعدوم بطريق الحقيقة خلاف ، ومن أطلق ذلك عليه فهو أنكر النكرات ، إذ يطلق على الجسم والعرض والقديم والمعدوم والمستحيل .
القدرة : القوة على الشيء والاستطاعة له ، والفعل قدر ومصادره كثيرة : قدر ، قدرة ، وبتثليث القاف ، ومقدرة ، وبتثليث الدال : وقدر ، أو قدر ، أو قدر ، أو قدار ، أو قدار ، أو قدراناً ، ومقدراً ، ومقدراً .
الجملة من قوله : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } لا موضع لها من الإعراب إذ هي مستأنفة جواب قائل قال : فكيف حالهم مع ذلك البرق ؟ فقيل : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } ، ويحتمل أن تكون في موضع جر صفة لذوي المحذوفة التقدير كائد البرق يخطف أبصارهم ، والألف واللام في البرق للعهد ، إذ جرى ذكره نكرة في قوله : { فيه ظلمات ورعد وبرق } ، فصار نظير : لقيت رجلاً فضربت الرجل ، وقوله تعالى : { أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول } وقرأ مجاهد ، وعلي بن الحسين ، ويحيى بن زيد : يخطف بسكون الخاء وكسر الطاء ، قال ابن مجاهد : وأظنه غلطاً واستدل على ذلك بأن أحداً لم يقرأ بالفتح إلا من خطِف الخطفة .
وقال الزمخشري : الفتح ، يعني في المضارع أفصح ، انتهى .
والكسر في طاء الماضي لغة قريش ، وهي أفصح ، وبعض العرب يقول : خطف بفتح الطاء ، يخطف بالكسر .
قال ابن عطية ، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء ، وذلك وهم .
وقرأ علي ، وابن مسعود : يختطف .
وقرأ الحسن أيضاً : يخطف ، بفتح الياء والخاء والطاء المشددة .
وقرأ الحسن أيضاً ، والجحدري ، وابن أبي إسحاق : يخطف ، بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة ، وأصله يختطف .
وقرأ الحسن أيضاً ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري ، وقتادة : يخطف ، بفتح الياء وكسر الخاء والطاء المشددة .
وقرأ أيضاً الحسن ، والأعمش : يخطف ، بكسر الثلاثة وتشديد الطاء .
وقرأ زيد بن علي : يخطف ، بضم الياء وفتح الخاء وكسر الطاء المشددة من خطف ، وهو تكثير مبالغة لا تعدية .
وقرأ بعض أهل المدينة : يخطف ، بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء المكسورة ، والتحقيق أنه اختلاس لفتحة الخاء لا إسكان ، لأنه يؤدّي إلى التقاء الساكنين على غير حد التقائهما .
فهذا الحرف قرئ عشر قراءات : السبعة يخطف ، والشواذ : يخطف يختطف يتخطف يخطف وأصله يتخطف ، فحذف التاء مع الياء شذوذاً ، كما حذفها مع التاء قياساً .
يخطف يخطف يخطف يخطف ، والأربع الأخر أصلها يختطف فعرض إدغام التاء في الطاء فسكنت التاء للإدغام فلزم تحريك ما قبلها ، فإما بحركة التاء ، وهي الفتح مبينة أو مختلسة ، أو بحركة التقاء الساكنين ، وهي الكسر .
وكسر الياء اتباع لكسرة الخاء ، وهذه مسألة إدغام اختصم به ، وهي مسألة تصريفية يختلف فيها اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر ، وتبيين ذلك في علم التصريف .
ومن فسر البرق بالزجر والوعيد قال : يكاد ذلك يصيبهم .
ومن مثله بحجج القرآن وبراهينه الساطعة قال : المعنى يكاد ذلك يبهرهم .
وكل : منصوب على الظرف وسرت إليه الظرفية من إضافته لما المصدرية الظرفية لأنك إذا قلت : ما صحبتني أكرمتك ، فالمعنى مدّة صحبتك لي أكرمك ، وغالب ما توصل به ما هذه بالفعل الماضي ، وما الظرفية يراد بها العموم ، فإذا قلت : أصحبك ما ذر لله شارق ، فإنما تريد العموم .
فكل هذه أكدت العموم الذي أفادته ما الظرفية ، ولا يراد في لسان العرب مطلق الفعل الواقع صلة لما ، فيكتفى فيه بمرة واحدة ، ولدلالتها على عموم الزمان جزم بها بعض العرب .
والتكرار الذي يذكره أهل أصول الفقه والفقهاء في كلما ، إنما ذلك فيها من العموم ، لا إن لفظ كلما وضع للتكرار ، كما يدل عليه كلامهم ، وإنما جاءت كل توكيداً للعموم المستفاد من ما الظرفية ، فإذا قلت : كلما جئتني أكرمتك ، فالمعنى أكرمك في كل فرد فرد من جيئاتك إلي .
وما أضاء : في موضع خفض بالإضافة ، إذ التقدير كل إضاءة ، وهو على حذف مضاف أيضاً ، معناه : كلّ وقت إضاءة ، فقام المصدر مقام الظرف ، كما قالوا : جئتك خفوق النجم .
والعامل في كلما قوله : مشوا فيه ، وأضاء عند المبرد هنا متعد التقدير ، كلما أضاء لهم البرق الطريق .
فيحتمل على هذا أن يكون الضمير في فيه عائداً على المفعول المحذوف ، ويحتمل أن يعود على البرق ، أي مشوا في نوره ومطرح لمعانه ، ويتعين عوده على البرق فيمن جعل أضاء لازماً ، أي : كلما لمع البرق مشوا في نوره ، ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة : كلما ضاء ثلاثياً ، وقد تقدّم أنها لغة .
وفي مصحف أُبيّ : مرّوا فيه ، وفي مصحف ابن مسعود : مضوا فيه .
وهذه الجملة استئناف ثالث كأنه قيل : فأضاء لهم في حالتي وميض البرق وخفائه ، قيل : كلما أضاء لهم إلى آخره .
وقرأ يزيد بن قطيب والضحاك : وإذا أظلم مبنياً للمفعول ، وأصل أظلم أن لا يتعَدّى ، يقال : أظلم الليل .
وظاهر كلام الزمخشري أن أظلم يكون متعدياً بنفسه لمفعول ، فلذلك جاز أن يبنى لما لم يسم فاعله .
قال الزمخشري : أظلم على ما لم يسم فاعله ، وجاء في شعر حبيب بن أوس الطائي :
هما أظلما حاليّ ثمت أجليا *** ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب
وهو أن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة ، فهو من علماء العربية ، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه .
ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة ، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه ، انتهى كلامه .
فظاهره كما قلنا أنه متعدّ وبناؤه لما لم يسم فاعله ، ولذلك استأنس بقول أبي تمام : هما أظلما حالي ، وله عندي تخريج غير ما ذكر الزمخشري ، وهو أن يكون أظلم غير متعدّ بنفسه لمفعول ، ولكنه يتعدّى بحرف جر .
ألا ترى كيف عدى أظلم إلى المجرور بعلى ؟ فعلى هذا يكون الذي قام مقام الفاعل أو حذف هو الجار والمجرور ، فيكون في موضع رفع ، وكان الأصل : وإذا أظلم الليل عليهم ، ثم حذف ، فقام الجار والمجرور مقامه ، نحو : غضب زيد على عمرو ، ثم تحذف زيداً وتبني الفعل للمفعول فتقول : غضب على عمرو ، فليس يكون التقدير إذ ذاك : وإذا أظلم الله الليل ، فحذفت الجلالة وأقيم ضمير الليل مقام الفاعل .
وأما ما وقع في كلام حبيب فلا يستشهد به ، وقد نقد على أبي علي الفارسي الاستشهاد بقول حبيب :
من كان مرعى عزمه وهمومه *** روض الأماني لم يزل مهزولا
وكيف يستشهد بكلام من هو مولد ، وقد صنف الناس فيما وقع له من اللحن في شعره ؟ ومعنى قاموا : ثبتوا ووقفوا ، وصدرت الجملة الأولى بكلما ، والثانية بإذا .
قال الزمخشري : لأنهم حراص على وجود ما هممهم به معقودة من إمكان المشي وتأتيه ، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ، وليس كذلك التوقف والتحبس ، انتهى كلامه .
ولا فرق في هذه الآية عندي بين كلما وإذا من جهة المعنى ، لأنه متى فهم التكرار من : { كلما أضاء لهم مشوا فيه } لزم منه أيضاً التكرار في أنه إذا أظلم عليهم قاموا ، لأن الأمر دائر بين إضاءة البرق والإظلام ، فمتى وجد هذا فقد هذا ، فيلزم من تكرار وجود هذا تكرار عدم هذا ، على أن من النحويين من ذهب إلى أن إذاً تدل على التكرار ككلما ، وأنشد :
إذا وجدت أوار الحب في كبدي *** أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
قال ابن عباس والسدي : كلما أتاهم القرآن بما يحبونه تابعوه .
وقال قتادة : إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم ، فيسرعون إلى متابعته .
وقال مقاتل : البرق الإسلام ، ومشيهم فيه اهتداؤهم ، فإذا تركوا ذلك وقعوا في ضلالهم .
وقيل : إضاءته لهم : تركهم بلا ابتلاء ، ومشيهم فيه : إقامتهم على المسالمة بإظهار ما يظهرونه ، وقيل : كلما سمع المنافقون القرآن وحججه أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل ما يعمون فيه أو يكلفونه قاموا ، أي ثبتوا على نفاقهم .
وقيل : كلما توالت عليهم النعم قالوا : دين حق ، وإذا نزلت بهم مصيبة سخطوا وثبتوا على نفاقهم .
وقيل : كلما خفي نفاقهم مشوا ، فإذا افتضحوا قاموا ، وقيل : كلما أضاء لهم الحق اتبعوه ، فإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه .
وقيل : ينتفعون بإظهار الإيمان ، فإذا وردت محنة أو شدة على المسلمين تحيروا ، كما قام أولئك في الظلمات متحيرين .
قال الزمخشري : وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون ، إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم ، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة ، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة ، انتهى كلامه .
ومفعول شاء هنا محذوف للدلالة عليه التقدير : ولو شاء الله إذهاب سمعهم وأبصارهم .
والكلام في الباء في بسمعهم كالكلام فيها في : { ذهب الله بنورهم } ، وتوحيد السمع تقدم الكلام عليه عند الكلام على قوله : { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } .
وقرأ ابن أبي عبلة : لأذهب بأسماعهم وأبصارهم ، فالباء زائدة التقدير لأذهب أسماعهم ، كما قال بعضهم : مسحت برأسه ، يريد رأسه ، وخشنت بصدره ، يريد صدره ، وليس من مواضع قياس زيادة الباء ، وجمعه الإسماع مطابق لجمع الإبصار .
ومعنى الجملة : أن ذهاب الله بسمعهم وأبصارهم كان يقع على تقدير مشيئة الله ذلك .
وقيل : المعنى لإهلاكهم ، لأن في هلاكهم ذهاب سمعهم وأبصارهم .
وقيل : وعيد بإذهاب الأسماع والأبصار من أجسادهم حتى لا يتوصلوا بهما إلى مالهم ، كما لم يتوصلوا بهما إلى ما عليهم .
وقيل : لأظهر عليهم بنفاقهم فذهب منهم عز الإسلام .
وقيل : لأذهب أسماعهم فلا يسمعون الصواعق فيحذرون ، ولأذهب أبصارهم فلا يرون الضوء ليمشوا .
وقيل ، عن ابن عباس : لذهب بسمعهم وأبصارهم لما تركوا من الحق بعد معرفته .
وقيل : لعجل لهم العقوبة في الدنيا ، فذهب بسمعهم وأبصارهم ، فلم ينتفعوا بها في الدنيا ، لأنهم لم يستعملوها في الحق فينتفعوا بها في أخراهم .
وقيل : لزاد في قصيف الرعد فأصمهم وفي ضوء البرق فأعماهم .
وقيل : لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد .
وقيل : لفضحهم عند المؤمنين وسلطهم عليهم .
وقال الزمخشري : لذهب سمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق .
وظاهر الكلام أن هذا كله مما يتعلق بذوي صيب ، فصرف ظاهره إلى أنه مما يتعلق بالمنافقين غير ظاهر ، وإنما هذا مبالغة في تحير هؤلاء السفر وشدة ما أصابهم من الصيب الذي اشتمل على ظلمات ورعد وبرق ، بحيث تكاد الصواعق تصمهم والبرق يعميهم .
ثم ذكر أنه لو سبقت المشيئة بذهاب سمعهم وأبصارهم لذهبت ، وكما اخترنا في قوله { ذهب الله بنورهم } إلى آخره أنه مبالغة في حال المستوقد ، كذلك اخترنا هنا أن هذا مبالغة في حالة السفر ، وشدة المبالغة في حال المشبه بهما يقتضي شدة المبالغة في حال المشبه ، فهو وإن لم تكن هذه الجزئيات التي للمشبه به ثابتة للمشبه بنظائرها ثابتة له ، ولاسيما إذا كان التمثيل من قبيل التمثيلات المفردة .
وأما على ما اخترناه من أنه من التمثيلات المركبة ، فتكون المبالغة في التشبيه بما آل إليه حال المشبه به ، وقد تقدم الكلام على ذلك قبل ، وخص السمع والأبصار في قوله : { لذهب بسمعهم وأبصارهم } لتقدم ذكرهما في قوله : { في آذانهم } ، وفي قوله : { يخطف أبصارهم } .
وقال بعضهم : تقدم ذكر الرعد والصواعق ، ومدركهما السمع ، والظلمات والبرق ، ومدركهما : البصر ، ثم قال : لو شاء أذهب ذلك من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم ، أعقب تعالى ما علقه على المشيئة بالإخبار عنه تعالى بالمقدرة لأن بهما تمام الأفعال ، أعني القدرة والإرادة وأتى بصيغة المبالغة إذ لا أحق بها منه تعالى .
وعلى كل شيء : متعلق بقوله : قدير ، وفي لفظ قدير ما يشعر بتخصيص العموم ، إذ القدرة لا تتعلق بالمستحيلات .