الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

قوله تعالى : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } : " يكادُ " مضارع كَادَ ، وهي لمقاربةِ الفعل ، تعملُ عمل " كانَ " ، إلاَّ أنَّ خَبَرها لا يكونُ إلا مضارعاً ، وشَذَّ مجيئُه اسماً صريحاً ، قال :

فَأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كِدْتُ آيباً *** وكم مثلِها فارَقْتُها وهي تَصْفِرُ

والأكثرُ في خبرِها تجرُّدُهُ من " أنْ " عَكَسَ " عسى " ، وقد شَذَّ اقترانُهُ بها ، وقال رؤبة :

قد كادَ مِنْ طولِ البلى أن يَمْحَصا

لأنها لمقاربةِ الفعلِ ، و " أَنْ " تُخَلِّصُ للاستقبال ، فَتَنَافَا . واعلم أنَّ خَبَرَها إذا كانَتْ هي مثبتةً- منفيٌّ في المعنى لأنها للمقاربة ، فإذا قلت : " كاد زيدٌ يفعلُ " كان معناه قارَبَ الفعلَ ، إلا أنه لم يَفْعَل ، فإذا نُفِيَتْ انتفَى خبرُها بطريقِ الأَوْلى ، لأنه إذا انْتَفَتْ مقاربةُ الفعل/ انتفى هو من باب أَوْلَى ولهذا كانَ قَولُه تعالى : { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [ النور : 40 ] أبلغَ مِنْ أَنْ لو قيل : لم يَرَها ، لأنه لم يقارِبِ الرؤيةَ فكيف له بها ؟ وزعم جماعةٌ منهم ابن جني وأبو البقاء وابنُ عطية أنَّ نفيَها إثباتُ وإثباتَها نفيٌ ، حتى أَلْغَزَ بعضُهم فيها فقال :

أَنَحْوِيَّ هذا العصرِ ما هي لفظةٌ *** جَرَتْ في لِسانَيْ جُرْهُمٍ وَثَمُودِ

إذا نُفِيَتْ - والله أعلمُ - أُثْبِتَتْ *** وإِنْ أُثْبِتَتْ قامَتْ مَقَامَ جُحُودِ

وَحَكَوْا عن ذي الرمة أنه لمَّا أَنْشَدَ قولَه :

إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّينَ لم يَكَدْ *** رسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

عِيْبَ عليه لأنه قال : لَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ فيكون قد بَرِحَ ، فغيَّره إلى قوله : " لم يَزَلْ " أو ما هو بمعناه ، والذي غَرَّ هؤلاء قولُهُ تعالى : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] قالوا : فهي هنا منفيَّةٌ وخبرُها مُثْبَتٌ في المعنى ، لأن الذبْحَ وقع لقوله : " فَذَبَحُوها " . والجوابُ عن هذهِ الآية من وَجْهَين ، أحدُهما : أنه يُحْمَلُ على اختلافِ وَقْتَيْنِ ، أي : ذَبَحوها في وقتٍ ، وما كادوا يفعلونَ في وقتٍ آخرَ ، والثاني : أنه عَبَّر بنفيِ مقاربةِ الفعل عن شدَّةِ تعنُّتِهِمْ وعُسْرِهِم في الفعلِ .

وأمَّا ما حَكَوْهُ عن ذي الرُّمَّة فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرُّمة في رجوعِهِ عن قولِهِ ، وقالوا : هو أَبْلَغُ وأحسنُ مِمَّا غَيَّره إليه .

واعلم أَنَّ خَبَرَ " كاد " وأخواتِها غيرَ عسى لا يكون فاعلُه إلا ضميراً عائداً على اسمها ، لأنها للمقارَبَةِ أو للشروع بخلافِ عسى ، فإنها للترجِّي ، تقول : " عسى زيدٌ أن يقومَ أبوه " ، ولا يجوز ذلك في غيرها ، فأمَّا قولُه :

وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقتي *** فما زِلْتُ أبكي عندَهُ وأُخَاطِبُهْ

وَأَسْقِيهِ حتى كَادَ مِمَّا أَبُثُّه *** تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُه ومَلاعِبُهْ

فأتى بالفاعلِ ظاهراً فقد حَمَلَه بعضُهم على الشذوذِ ، وينبغي أن يُقال : إنما جاز ذلك لأن الأحجارَ والملاعب هي عبارةٌ عن الرَّبْع ، فهي هو ، فكأنه قيل : حتى كاد يكلِّمني ، ولكنه عَبَّر عنه بمجموع أجزائه ، وقولُ الأخر :

وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني *** ثَوْبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشاربِ السَّكِرِ

وكنتُ أمشي على رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً *** فَصِرْتُ أمشي على أخرى من الشجر

فأتى بفاعل [ خبر ] جَعل ظاهراً ، فقد أُجيب عنه بوجهين : أحدُهما : أنه على حَذْفِ مضافٍ تقديره : وقد جَعَل ثوبي إذا ما قمت يُثْقلني . والثاني : أنه من باب إقامةِ السببِ مُقامَ المُسَبَّبِ ، فإنَّ نهوضَه كذا متسبِّبٌ عن إثقالِ ثوبِه إياه ، والمعنى : وقد جَعَلْتُ أَنْهَضُ نَهْضَ الشارب الثملِ لإِثقالِ ثوبي إياي .

ووزن كاد كَودِ بكسر العين ، وهي من ذواتِ الواو ، كخاف يَخاف ، وفيها لغةٌ أخرى : فتحُ عينها ، فعلى هذه اللغةِ تُضَمُّ فاؤُها إذا أُسْنِدَتْ إلى تاء المتكلم وأخواتِها ، فتقولُ : كُدْت وكُدْنا مثل : قُلْت وقُلْنا ، وقد تُنْقَلُ كسرةُ عينها إلى فائِها مع الإِسناد إلى ظاهر ، كقوله :

وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكُلْنَ جُثَّتي *** وكِيدِ خِراشٌ عند ذلك يَيْتَمُ

ولا يجوز زيادتُها خلافاً للأخفشِ ، وسيأتي هذا كلُه في " كاد " الناقصة ، أمَّا " كاد " التامة بمعنى مَكَر فإنها فَعَل بفتح العين من ذواتِ الياء ، بدليل قوله : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً } [ الطارق : 15 - 16 ] .

و " البرق " اسمها ، و " يخَطف " خبرُها ، ويقال : خَطِف يَخْطَفُ بكسر عين الماضي وفتح المضارع ، وخَطَف يخطِف ، عكسُ اللغة الأولى ، وفيه قراءاتٌ كثيرة ، المشهورُ منها الأولى . الثانية : يَخْطِف بكسر الطاء . الثالثة يَخَطَّفُ بفتح الياء والخاء والطاء مع تشديدِ الطاء ، والأصل : يَخْتَطِفُ ، فَأُبْدلت تاءُ الافتعال طاءً للإِدغام ، الرابعة : كذلك إلا أنَّه بكسر الخاء إتباعاً لكسرة الطاء . السادسة : كذلك إلا أنه بكسر الياء أيضاً إتباعاً للخاء ، السابعة : يَخْتَطِف على الأصل . الثامنة : يَخْطِّف بفتح الياء وسكونِ الخاء وتشديد الطاء ، وهي رديئةٌ لتأديتها غلى التقاء ساكنين . التاسعة : بضم الياء وفتح الخاء وتشديدِ الطاء مكسورةً ، والتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية . العاشرة : يَتَخَطَّف .

والخَطْفُ : أَخْذُ شيءٍ بسرعة ، وهذه الجملةُ - أعني قولَه : يكاد البرق يَخْطَف - لا محلَّ لَها ، لأنها استئنافٌ ، كأنه قيل : كيف يكونُ حالُهم مع ذلك البرقِ ؟ فقيل : يكاد يَخْطَف ، ويحتمل أن يكون في محلِّ جر صفةً لذوي المحذوفة ، التقدير : أو كذوي صيبٍ كائدٍ البرقُ يَخْطَف .

قوله تعالى :/ { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } : " كل " نَصْبٌ على الظرفية ، لأنها أُضيفت إلى " ما " الظرفية ، والعاملُ فيها جوابُها ، وهو " مَشَوا " . وقيل : " ما " نكرةٌ موصوفةٌ ، ومعناها الوقتُ أيضاً ، والعائدُ محذوفٌ ، تقديرُه : كلَّ وقتٍ أضاءَ لهم فيه ، فأضاءَ على الأول لا محلَّ له لكونِه صلةً ، ومحلُّه الجرُّ على الثاني . و " أضاء " يجوز أن يكون لازماً . وقال المبرد : " هو متعدٍّ ومفعولُه محذوفٌ " ، أي : أضاء لهم البرقُ الطريقَ ، فالهاء في " فيه " تعودُ على البرق في قولِ الجمهور ، وعلى الطريقِ المحذوفِ في قول المبرد .

و " فيه " متعلِّق بمَشَوا ، و " في " على بابها أي : إنه محيطٌ بهم : وقيل : هي بمعنى الباء ، ولا بدَّ من حذف على القَوْلين ، أي : مَشَوا في ضوئِه أي بضوئِه ، ولا محلَّ لجملةِ قولهِ " مَشَوا " لأنها مستأنفةٌ .

واعلم أنَّ " كُلاًّ " من ألفاظِ العموم ، وهو اسمُ جمعٍ لازمٌ للإِضافة ، وقد يُحْذَفُ ما يضاف إليه ، وهل تنوينُه حينئذٍ تنوينُ عوضٍ أو تنوينُ صَرْفٍ ؟ قولان . والمضافُ إليه " كل " إن كانَ معرفةً وحُذِفَ بقيتْ على تعريفها ، فلهذا انتصَبَ عنها الحالُ ، ولا يَدْخُلها الألفُ واللامُ ، وإن وقع ذلك في عبارةِ بعضِهم ، وربما انتَصَبَتْ حالاً ، وأصلُها أن تُسْتَعْمَل توكيداً كأجمعَ ، والأحسنُ استعمالُها مبتدأً ، وليس كونُها مفعولاً بها مقصوراً على السماعِ ، ولا مختصاً بالشعر خلافاً لزاعم ذلك . وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ أو معرفةٍ بلامِ الجنسِ حَسُنَ أن تَلِي العواملَ اللفظيةَ ، وإذا أُضيفت إلى نكرةٍ تعيُّنَ اعتبارُ تلك النكرة فيما لها من ضميرٍ وغيره ، تقول : كلُّ رجال أتَوْكَ فأكرِمْهم ، ولا يجوزُ أن يُراعَى لفظ " كل " فتقول : كلُّ رجال أتاكَ فأكرمه ، و [ تقول : ] كلُّ رجلٍ أتاك فأكرمه ، ولا تقول : أَتَوْك فأكرِمْهم ، اعتباراً بالمعنى ، فأما قوله :

جادَتْ عليه كلُّ عَيْن ثَرَّةٍ *** فتركْنَ كلَّ حدَيقةٍ كالدرهم

فراعى المعنى فهو شاذٌّ لا يُقاس عليه ، وإذا أُضيفَتْ إلى معرفةٍ فوجهانِ ، سواءً كانت الإِضافة لفظاً نحو : { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً } [ مريم : 95 ] فراعى لفظَ كل ، أو معنىً نحو : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } [ العنكبوت : 40 ] فراعى لفظَها ، وقال : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [ النمل : 87 ] ، فراعى المعنى ، وقولُ بعضهم : إن " كُلَّما " تفيدُ التكرارَ ، ليس ذلك من وَضْعها ، فإنك إذا قُلْتَ : " كلما جِئْتَني أَكْرَمْتُك " كان المعنى : أُكْرِمُكَ في كلِّ فردٍ فردٍ من جَيئاتِكَ إليَّ .

وقُرئ " ضاء " ثلاثياً ، وهي تَدُلُّ على أنَّ الرباعيَّ لازمٌ . وقرئ : " وإذا أُظْلِم " مبنياً للمفعول ، وجَعَلَه الزمخشريُّ دالاَّ على أنَّ أَظْلَمَ متعدٍ ، واستأنَسَ أيضاً بقول حبيب :

هما أَظْلما حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا *** ظَلامَيْهِما عن وجهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ

ولا دليلَ في الآيةِ لاحتمالِ أن أصلَه : وإذا أَظْلم الليلُ عليهم ، فلمَّا بُنِي للمفعولِ حُذِف " الليل " وقام " عليهم " مَقَامَه ، وأمَّا حبيبٌ فمُوَلِّدٌ .

وإنما صُدِّرت الجملةُ الأولى بكلما ، والثانيةُ بإذا ، قال الزمخشري : " لأنهم حِراصٌ على وجودِ ما هَمُّهم به معقودٌ من إمكان المشي وتأتِّيه ، فكُلَّما صادفوا منه فرصةً انتهزوها ، وليسَ كذلك التوقُّفُ والتحبُّسُ " وهذا الذي قاله هو الظاهرُ ، إلاَّ أنَّ مِن النحويين مَنْ جعلَ أنَّ " إذا " تُفيد التكرار أيضاً ، وأنشد :

إذا وَجَدْتُ أُوارَ الحُبِّ في كَبْدِي *** أَقْبَلْتُ نحو سِقاءِ القومِ أَبْتَرِدُ

قال : " معناها معنى كلما " .

قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } " لو " حرفٌ لِما كان سيقع لوقوع غيره ، هذه عبارةُ سيبويه ، وهي أَوْلى من عبارة غيره :/ حرفُ امتناع لامتناع لِصحّةِ العبارة الأولى في نحو قوله تعالى :

{ لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ } [ الكهف : 109 ] ، وفي قوله عليه السلام : " نِعْمَ العبدُ صُهَيْبٌ لو لم يَخَفِ اللهَ لم يُعْصِه " ، وعدم صحةِ الثانية في ذلك كما سيأتي محرِّراً ، ولفسادِ نحو قولهم : " لو كان إنساناً لكان حيواناً " إذ لا يلزم مِنْ امتناعِ الإِنسانِ امتناعُ الحيوان ، ولا يُجْزَمُ بها خلافاً لقوم ، فأمَّا قولُه :

لو يَشَأْ طارَ به ذو مَيْعَةٍ *** لاحِقُ الآطالِ نَهْدٌ ذو خُصَلْ

وقول الآخر :

تامَتْ فؤادَك لو يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ *** إحدى نساءِ بني ذُهْلِ بنِ شَيْبَانا

فمِنْ تسكينِ المحرَّكِ ضرورةً ، وأكثر ما تكونُ شرطاً في الماضي ، وقد تأتي بمعنى إنْ كقوله تعالى : { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } [ النساء : 9 ] وقولِه :

ولَوْ أَنَّ ليلى الأخيليَّةَ سَلَّمَتْ *** عليَّ ودوني جَنْدَلٌ وصَفائِحُ

لسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشةِ أَوْزَقَا *** إليها صَدَىً مِنْ جانبِ القبرِ صائحُ

ولا تكونُ مصدريةً على الصحيح ، وقد تُشَرَّبُ معنى التمني فَتَنْصِبُ المضارعَ بعد الفاء جواباً لها نحو : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ } [ الشعراء : 102 ] ، وسيأتي تحريرُه في مَوْضِعِه .

و " شاء " أصلُه : شَيِئَ علَى فَعِلَ بكسر العين ، وإنما قُلِبت الياءُ ألفاً للقاعدةِ المُمَهَّدةِ . ومفعولُه محذوفٌ تقديرُه : ولو شاء الله إذهابَ ، وكَثُر حَذْفُ مفعولِه ومفعولِ " أراد " حتى لا يَكاد يُنْطَق به إلاَّ في الشيءِ المستغرَبِ كقولِه :

ولو شِئْتُ أن أبكي دَماً لبكَيتُه *** عليهِ ولكنْ ساحةُ الصبرِ أَوْسَعُ

قال تعالى : { لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ الزمر : 4 ] .

واللامُ في " ذهب " جوابُ لو . واعلم أنَّ جوابَها يَكْثُر دخولُ اللامِ عليه مثبتاً ، وقد تُحْذَفُ ، قال تعالى : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [ الواقعة : 70 ] ، ويَقِلُّ دخولُها عليه منفيَّاً ب " ما " ، ويَمْتَنِعُ دخولُها عليه منفيَّاً بغير " ما " نحو : لو قُمْتَ لم أَقُمْ ، لِتوالِي لامين فيثقلُ ، وقد يُحْذَفُ كقوله :

لا يُلْفِكَ الراجُوك إلا مُظْهِراً *** خُلُقَ الكرامِ ولو تكونُ عَدِيماً

و " بسَمْعِهم " متعلِّقٌ بذَهَب . وقُرِئَ : " لأَذْهَبَ " فتكونُ الباءُ زائدةً ، أو يكونُ فَعَل وأَفْعَل بمعنىً ، ونحوهُ : { تَنبُتُ بِالدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] .

قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } هذه جملةُ مؤكِّدةٌ لمعنى ما قبلَها ، و " على كل شيء " متعلِّقٌ بقدير ، وهو فَعِيل بمعنى فاعِل مشتقٌ من القُدْرَة وهي القُوة والاستطاعةُ ، وفعلُها قَدَر بفتح العين ، وله ثلاثةَ عشَرٍ مصدراً : قدرة بتثليث القاف ، ومَقْدرة بتثليث الدال ، وقَدْرَاً وقَدَراً وقُدَراً وقَداراً وقُدْراناً ومَقْدِراً ومَقْدَراً . وقدير أَبْلَغُ مِن قادر قاله الزجاج ، وقِيل : هما بمعنى ، قاله الهروي . والشيءُ : ما صَحُّ أن يُعْلَمَ من وجه ، ويُخْبَرَ عنه ، وهو في الأصل مصدرُ شاء يشاء/ ، وهل يُطْلق على المعدومِ والمستحيل ؟ خلافٌ مشهور .