أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والصابوني في المائتين عن ابن عباس في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزون بالإسلام ، فيناكحهم المسلمون ، ويوارثونهم ، ويقاسمونهم الفيء . فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه { وتركهم في ظلمات } يقول في عذاب . { صم بكم عمي } لا يسمعون الهدى ، ولا يبصرونه ، ولا يعقلونه . { أو كصيب } هو المطر . ضرب مثله في القرآن { فيه ظلمات } يقول : ابتلاء { ورعد وبرق } تخويف . { يكاد البرق يخطف أبصارهم } يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين { كلما أضاء لهم مشوا فيه } يقول : كلما أصاب المنافقون من الإسلام اطمأنوا ، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ( ومن الناس من يعبد الله على حرف . . ) ( الحج الآية 11 ) الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا . . . } الآية . قال : إن ناسا دخلوا في الإسلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ثم نافقوا ، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة ، فأوقدا نارا { فأضاءت ما حوله } من قذى أو أذى ، فأبصره حتى عرف ما يتقى . فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى ، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم ، فعرف الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، بينا هو كذلك إذ كفر ، فصار لا يعرف الحلال من الحرام ، ولا الخير من الشر ، فهم { صم بكم } فهم الخرس { فهم لا يرجعون } إلى الإسلام . وفي قوله { أو كصيب . . . } الآية . قال : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله . فيه رعد شديد ، وصواعق ، وبرق ، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق ، أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا . قاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان . ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمد فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ، ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما .
فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلا للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكر بشيء ، فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما { وإذا أضاء لهم مشوا فيه } فإذا كثرت أموالهم وولدهم ، وأصابوا غنيمة وفتحا { مشوا فيه } وقالوا : إن دين محمد حينئذ صدق : واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق { وإذا أظلم عليهم قاموا } فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم ، وأصابهم البلاء ، قالوا هذا من أجل دين محمد ، وارتدوا كفارا ، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { كمثل الذي استوقد } قال : ضربه الله مثلا للمنافق . وقوله { ذهب الله بنورهم } أما { النور } فهو إيمانهم الذي يتكلمون به ، وأما { الظلمة } فهي ضلالهم وكفرهم .
وفي قوله { أو كصيب } الآية . قال { الصيب } المطر . وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله ، وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك ، وأما { الظلمات } فالضلالة ، وأما { البرق } فالإيمان . وهم أهل الكتاب { وإذا أظلم عليهم } فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثلهم . . } الآية . قال : ضرب الله مثلا للمنافقين يبصرون الحق ويقولون به ، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفأوه بكفرهم ونفاقهم ، فتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق { صم بكم عمي } عن الخير { فهم لا يرجعون } إلى هدى ، ولا إلى خير . وفي قوله { أو كصيب . . } الآية . يقول : هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر ، والحذر من القتل ، على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم ، على مثل ما وصف من الذي هم في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق { حذر الموت والله محيط بالكافرين } منزل ذلك بهم من النقمة { يكاد البرق يخطف أبصارهم } أي لشدة ضوء الحق { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر { قاموا } أي متحيرين { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } أي لما سمعوا ، تركوا من الحق بعد معرفته .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } قال : أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى ، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين والضلالة ، وإضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل { والله محيط بالكافرين } قال : جامعهم في جهنم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق . إن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فناكح بها المسلمين ، ووارث بها المسلمين ، وغازى بها المسلمين ، وحقن بها دمه وماله . فلما كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، فسلبها المنافق عند الموت ، فترك في ظلمات وعمى يتسكع فيها . كما كان أعمى في الدنيا عن حق الله وطاعته صم عن الحق فلا يبصرونه { فهم لا يرجعون } عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكرون { أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه ، لا يسمع صوتا إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحا إلا ظن أنه ميت . أجبن قوم ، وأخذله للحق . وقال الله في آية أخرى ( يحسبون كل صيحة عليهم ) ( المنافقون الآية 4 ) { يكاد البرق يخطف أبصارهم } الآية . قال { البرق } هو الإسلام و { الظلمة } هو البلاء والفتنة . فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة ، وعافية ، ورخاء ، وسلوة من عيش { قالوا : إنا معكم } ومنكم ، وإذا رأى من الإسلام شدة ، وبلاء ، فقحقح عند الشدة فلا يصبر لبلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها . إنما هو صاحب دنيا لها يغضب ، ولها يرضى ، وهو كما هو نعته الله .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عباس في قوله { أو كصيب من السماء } قال : المطر .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء . مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما الصيب من ههنا . وأشار بيده إلى السماء " .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يكاد البرق } قال : يلتمع { يخطف أبصارهم } ولما يخطف . وكل شيء في القرآن { يكاد ، وأكاد ، وكادوا } فإنه لا يكون أبدا .
وأخرج وكيع عن المبارك بن فضالة قال : سمعت الحسين يقرأها { يكاد البرق يخطف أبصارهم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.