أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المعارج مكية وآيها أربع وأربعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم سأل سائل بعذاب واقع أي دعا داع به بمعنى استدعاه ولذلك عدي الفعل بالباء والسائل هو النضر بن الحارث فإنه قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية أو أبو جهل فإنه قال فأسقط علينا كسفا من السماء سأله استهزاء أو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل بعذابهم وقرأ نافع وابن عامر سال وهو إما من السؤال على لغة قريش قال سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء سال سيل على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور والمعنى سال واد بعذاب ومضى الفعل لتحقق وقوعه إما في الدنيا وهو قتل بدر أو في الآخرة وهو عذاب النار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي ، وفي تفسير الطبري وان عطية وابن كثير { سورة سأل سائل } . وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس .

وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير { سورة المعارج } . وذكر في الإتقان أنها تسمى « سورة الواقع » .

وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها ، وأخصها بها جملة { سال سائل } لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن إلا أنها غلب عليها اسم « سورة المعارج » لأنه أخف .

وهي مكية بالاتفاق . وشذ من ذكر أن آية { والذين في أموالهم حق معلوم } مدنية .

وهي السورة الثامنة والسبعون في عداد نزول سور القرآن عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ .

وعد جمهور الأمصار آبها أربعا وأربعين . وعدها أهل الشام ثلاثا وأربعين .

أغراضها

حوت من الأغراض تهديد الكافرين بعذاب يوم القيامة ، وإثبات ذلك اليوم ووصف أهواله .

ووصف شيء من جلال الله فيه ، وتهويل دار العذاب وهي جهنم . وذكر أسباب استحقاق عذابها .

ومقابلة ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دار الكرامة وهي أضداد صفات الكافرين .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم . وتسليته على ما يلقاه من المشركين .

ووصف كثير من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم ، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم .

كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وقيل : إن السائل شخص معين هو النضر بن الحارث قال : { إن كان هذا ( أي القرآن ) هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يعينه على المشركين بالقحط فأشارت الآية إلى ذلك كله ، ولذلك فالمراد ب { سائل } فريقٌ أو شخص .

والسؤال مستعمل في معنيي الاستفهام عن شيء والدعاء ، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز . ويجوز أن يكون { سأل سائل } بمعنى استعجل وأَلَحّ .

وقرأ الجمهور { سأل } بإظهار الهمزة . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { سال } بتخفيف الهمزة ألفاً . قال في « الكشاف » : وهي لغة قريش وهو يريد أن قريشاً قد يخففون المهموز في مقام الثقل وليس ذلك قياساً في لغتهم بل لغتهم تحقيق الهمز ولذلك قال سيبويه : وليس ذا بقياس مُتْلَئِبَ ( أي مطرد مستقيم ) وإنما يحفظ عن العرب قال : ويكون قياساً متلئباً ، إذا اضطُر الشاعر ، قال الفرزدق :

راحتْ بِمسلمةَ البغال عشية *** فارْعَيْ فَزازةُ لا هَنَاككِ المَرتَع

يريد لا هَنَأككِ بالهمز . وقال حسان :

سَالتْ هُذْيلٌ رسولَ الله فاحشةً *** ضلتْ هُذيلٌ بمَا سَالت ولم تُصِبِ

يريد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحَةَ الزنا . وقال القرشي زيدُ بن عمرو بن نفيل ( يذكر زَوجيه ) :

سَألتَانِي الطلاقَ أنْ رَأتَاني *** قَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ

فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة اهـ . فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً . وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة : أن من قرأ { سَالَ } غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل : قَال وخاف . وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول : هما متساوِلان . وقال في « الكشاف » : يقولون ( أي أهل الحجاز ) : سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان ، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب . وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز { سال } غيرَ مهموز سماعي ، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه ، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري .

وبذلك يندحض تردد أبي حيان جعل الزمخشري قراءة { سال } لغة أهل الحجاز إذ قد يكون لبعض القبائل لغتان في فعل واحد .

وإنما اجتلب هنا لغة المخفف لثقل الهمز المفتوح بتوالي حركات قبله وبعده وهي أربع فتحات ، ولذلك لم يرد في القرآن مخففاً في بعض القراءات إلاّ في هذا الموضع إذ لا نظير له في توالي حركات ، وإلاّ فإنه لم يقرأ أحد بالتخفيف في قوله : { وإذا سَألك عبادي } [ البقرة : 186 ] وهو يساوي { سال سائل بعذاب } بله قوله : سالتهم وتسالهم ولا يسالون .

وقوله : { سال سائل } بمنزلة سُئل لأن مجيء فاعل الفعل اسمَ فاعل من لفظ فعله لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو ، فالعدول عن أن يقول : سُئِل بعذاب إلى قوله { سال سائل بعذاب } ، لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب ، ومثله قول يزيد بن عمرو بن خويلد يهاجي النابغة :

وإن الغدْر قد عَلِمت معدٌّ *** بنَاه في بني ذُبيان بَانِي

ومن بلاغة القرآن تعدية { سال } بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال ، لأن الباء تأتي بمعنى ( عن ) وهو من معاني الباء الواقعة بعد فعل السؤال نحو { فاسأل به خبيراً } [ الفرقان : 59 ] ، وقول علقمة :

فإن تسألوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب

أي إن تسألوني عن النساء ، وقال الجوهري عن الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وجعل في « الكشاف » تعدية فعل سأل بالباء لتضمينه معنى عُني واهتمّ . وقد علمت احتمال أن يكون سال بمعنى استعجل ، فتكون تعديته بالباء كما في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] .