البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المعارج

هذه السورة مكية . قال الجمهور : نزلت في النضر بن الحرث حين قال : { اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الآية . وقال الربيع بن أنس : في أبى جهل . وقيل : في جماعة من قريش قالوا : { اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ } الآية .

{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } .

وقيل : السائل نوح عليه السلام ، سأل العذاب على الكافرين . وقيل : السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سأل الله أن يشدد وطأته على مضر الحديث ، فاستجاب الله دعوته . ومناسبة أولها لآخر ما قبلها : أنه لما ذكر { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ } أخبر عن ما صدر عن بعض المكذبين بنقم الله ، وإن كان السائل نوحاً عليه السلام ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم . فناسب تكذيب المكذبين أن دعا عليهم رسولهم حتى يصابوا فيعرفوا صدق ما جاءهم به .

وقرأ الجمهور : { سأل } بالهمز : أي دعا داع ، من قولهم : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ، فالباء على أصلها .

وقيل : المعنى بحث باحث واستفهم . قيل : فالباء بمعنى عن .

وقرأ نافع وابن عامر : سال بألف ، فيجوز أن يكون قد أبدلت همزته ألفاً ، وهو بدل على غير قياس ، وإنما قياس هذا بين بين ، ويجوز أن يكون على لغة من قال : سلت أسأل ، حكاها سيبويه .

وقال الزمخشري : هي لغة قريش ، يقولون : سلت تسال وهما يتسايلان . انتهى .

وينبغي أن يتثبت في قوله إنها لغة قريش .

لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز أو أصله الهمز ، كقراءة من قرأ : وسلوا الله من فضله ، إذ لا يجوز أن يكون من سال التي عينها واو ، إذ كان يكون ذلك وسلوا الله مثل خافوا الأمر ، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش ، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيراً فيه لغة غيرهم .

ثم جاء في كلام الزمخشري : وهما يتسايلان بالياء ، وأظنه من الناسخ ، وإنما هو يتساولان بالواو .

فإن توافقت النسخ بالياء ، فيكون التحريف من الزمخشري ؛ وعلى تقدير أنه من السؤال ، فسائل اسم فاعل منه ، وتقدم ذكر الخلاف في السائل من هو .

وقيل : سال من السيلان ، ويؤيده قراءة ابن عباس : سال سايل .

وقال زيد بن ثابت : في جهنم واد يسمى سايلاً وأخبر هنا عنه .

قال ابن عطية : ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه .

وقال الزمخشري : والسيل مصدر في معنى السايل ، كالغور بمعنى الغاير ، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب ، فذهب بهم وأهلكهم . انتهى .

وإذا كان السائل هم الكفار ، فسؤالهم إنما كان على أنه كذب عندهم ، فأخبر تعالى أنه واقع وعيداً لهم .

وقرأ أبي وعبد الله : سال سال مثل مال بإلقاء صورة الهمزة وهي الياء من الخط تخفيفاً .

قيل : والمراد سائل . انتهى .

ولم يحك هل قرأ بالهمز أو بإسقاطها ألبتة .

فإن قرأ بالهمز فظاهر ، وإن قرأ بحذفها فهو مثل شاك شايك ، حذفت عينه واللام جرى فيها الإعراب ، والظاهر تعلق بعذاب بسال .

وقال أبو عبد الله الرازي : يتعلق بمصدر دل عليه فعله ، كأنه قيل : ما سؤاله ؟ فقيل : سؤاله بعذاب ،