سورة المعارج [ وهي مكية ]{[1]}
الآيتان 1 و 2 قوله تعالى : { سأل سائل بعذاب واقع } { للكافرين ليس له دافع } قرئ بتسكين الألف ، {[21994]} ومعناه : سال واد بعذاب واقع ، أي جرى واد بعذاب واجب .
والقراءة العامة بالهمزة من السؤال ، وتأويله على سؤال القوم العذاب بقولهم : { إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ] وقولهم : { ربنا عجل لنا قطّنا } [ ص : 16 ] .
وقيل هو النضر بن الحارث سأل ذلك ، فقتل يوم بدر بعد أسر ، هكذا قال بعض أهل التأويل ، ولكن عندنا أن هذا ، وإن كان في الظاهر خارج مخرج السؤال ، لكن لم يكن سؤاله لينزل به العذاب في التحقيق ، وإنما هذا منه على جهة الاستبعاد بالعذاب والاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
والذي حملهم على الاستبعاد والإنكار ، هو أنه كان [ عند ] {[21995]} أهل مكة أنه لو كان فيهم نبي لكانوا هم أحق بالنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الذين [ بسطت لهم الدنيا ، وهم الذين ]{[21996]} لهم نفاذ الكلام في البلاد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبسط له الدنيا ، ولا كان لكلامه في ما بينهم نفاذ ، فيظنون بهذا أنهم أقرب منزلة عند الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه ويحسن إليه {[21997]} ، ويدع صلة وليّه ، ويخفيها{[21998]} .
فهذا الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما يخبرهم بحلول العذاب بالتكذيب ، وعلى الاستهزاء به ، فكان سؤال السائل على جهة [ استبعاد إمكان العذاب ]{[21999]} لا أن كانوا مقرين {[22000]} به ، ثم استعجلوه .
وذكر أن أبا جهل قال يوم [ بدر ] {[22001]} : اللهم انصر أبرّنا قسما وأوصلنا رحما وأقرانا للضيف .
فكان يدعوا بهذا لما عنده أنه أشرف حالا وأعلى منزلة عند الله عز وجل [ من محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه . ومن كان هذا شأنه فهو ولي الإمّعة وقال تعالى ] {[22002]} : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .
ولو لم يكن عندهم أنهم أقرب منزلة وأحق أن يكونوا أولياء ، وإلا لم يكونوا يجترئون أن يسألوا بهذا .
فهذه الشبهة التي ذكرناها [ هي ] {[22003]}التي أورثت لهم ما ذكرنا من الظن حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة .
وظنهم هذا يتولد من إبليس ، وذلك أن إبليس { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [ الأعراف : 12 ] فظن أن أمر الفاضل للمفضول بالسجود في الخضوع له خارج عن حد الحكمة ، فصار إلى ما صار إليه من الخزي واللعن .
فكذلك هؤلاء لما رأوا[ ما رأوا ] {[22004]}من نفاذ كلمتهم وسعتهم في الدنيا ظنوا أنهم أقرب إلى الله تعالى ، إذ التوسع عندهم دلالة الولاية والقرب .
ثم سفههم ، وهو الذي حملهم على التكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الخضوع ، وإلا لو أعطوا النصفة من أنفسهم لكان يجب أن يكونوا هم أطوع خلق الله تعالى ، لأن الواجب على من كثرت عليه النعم من آخر أن يكون هو أشكر للنعم وأطوع له في ما يدعوه إليه من الذي قلت نعمه عليه .
فإذا كانوا مقرين أن نعم الله عليهم أكثر وإحسانه إليهم أوفر أوجب ما ذكروا أن يكونوا هم ألزم لطاعته وآخذ لما يأمر به . وكذلك إبليس اللعين إذا رأى لنفسه فضلا ، واستوجب {[22005]} ذلك بما أنعم الله عليه كان الحق عليه أن يتسارع إلى طاعته ، وينقاد لما أمره به ، لا أن يظهر الخلاف من نفسه وترك الائتمار بأمره .
وقوله تعالى : { بعذاب واقع } أي هو واقع بهم لا محالة في علم الله تعالى ، أو واقع بمعنى سيقع كما يقال : قابل أي سيقبل .
وقوله تعالى { للكافرين ليس له دافع } فإن كان قوله { للكافرين } صلة قوله : { بعذاب واقع فحقه أن يقول : على الكافرين ، ولكن اللام من حروف الإضافة والخفض ، وحروف الإضافة مما يستبدل بعضها ببعض ، فجعل اللام بدلا عن على .
وإن كان قوله : { للكافرين } صلة قوله : { ليس له دافع } فمعناه أن ليس على الكافرين دافع لعذاب الله عز وجل بل واقع بهم ، لا محالة ، فأبدلت اللام فكان عن لأنهما جميعا من حروف الخفض . /595-أ/ .
وقد يدفع العذاب عن المسلمين من وجوه : إما برحمة الله تعالى ، وإما {[22006]} بشفاعة الرسل والأخيار ، وإما بحسنات{[22007]} سبقت منهم ، فوجب تكفير سيئاتهم .
فأما الكفار فلا تنالهم رحمته ، ولا شفاعة أحد من الخلائق ، وليست لهم حسنات تكفر سيئاتهم ، فليس لهم ما يدفع العذاب .
وجائز أن يكون معناه : إن الذين ظنوا أنه ينصرهم عند النوائب وحلول الشدائد ، لا يقوم بنصرهم ولا يشفع لهم لأنهم يعبدون الملائكة على رجاء أن يشفعوا لهم ، ويقربوا إلى الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.