سورة سأل وتسمى المعارج{[1]}
مقصودها إثبات القيامة وإنذار من كفر بها وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومها وتسلية المنذر بها بما لمن كذبه بما له من الصغار والذل والتبار{[2]} ودل على وجوب وقوعها سابقا بما {[3]}ختمه بتسميتها{[4]} في السورة الماضية بالحاقة تنبيها على أنه لا بد منها ولا محيد عنها ، ودل على ذلك بالقدرة في أولها والعلم في أثنائها و{[5]}التّنزه عما في إهمالها من النقص في آخرها/ ولا خفاء بما أخبر من أنه أرسل جميع رسله بالتحذير منها فأرسل نوحا عليه السلام في الزمان الأقدم كما ذكر في سورته عند ما اختلف الناس بعد ما كانوا عليه في زمان أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام من الإتفاق{[6]} على الدين الحق فافترقوا إلى مصدق ومكذب ، فعلم منه أن من بعده أولى بذلك لقربهم منها ، وأتبع ذلك الإعلام أنه دعا إلى ذلك الجن الذين كان سبيلهم فيها سبيل الآدميين ، وأتبع ذلك- ]{[7]} بعد إرسال أول الرسل بها زمانا- آخرهم زمانا وأولهم نبوة حين كان نبيا وآدم بين الروح والجسد ، فبدأ في سورة المزمل بنبوته{[8]} ومزيد تزكيته وتقديسه ورفعته والإخبار عن رسالته والتحذير من مخالفته ، وأتبع ذلك الإنذار{[9]} بها بالصدع بالرسالة بمحو كل ضلالة ، فلما تقررت نبوته وثبتت رسالته على أجمل الوجوه وأجلاها وأبينها وأعلاها وأشرفها وأولاها ، جعل سبحانه سورة القيامة كلها لها إعلاما بأن الأمر [ عظيم- ]{[10]} جدا يجب الاعتناء به والتأهب له والاجتهاد بغاية القوة وإفراغ الجهد ، ثم أتبع ذلك الإنسان دلالة على أنه المقصود بالذات من الأكوان ، فلا يسوغ في الحكمة أن يجعله سبحانه سدى ، وبين كثيرا من أحوالها ثم أقسم في المرسلات أن أمرها حق لا بد منه ولا مندوحة عنه ، ثم عجب في " عم " [ منهم-{[11]} ] في تساؤلهم عنها وتعجيبهم منها ثم أقسم على وقوعها في النازعات وصور من أمرها وهزاهزها ما أراد ، ثم أولى ذلك الدلالة في سورة عبس على أن من الناس من طبع على قلبه فلا حيلة في تصديقه بها مع ما يتبين بالسورة الماضية وغيرها من أمرها ، ثم صورها في " كورت " تصويرا صارت من رأى عين لو كشف الغطاء ما ازداد الموقنون بها يقينا ، ثم بين في الانفطار أن الأمور فيها ليست على منهاج الأمور هنا ، بل الأسباب كلها منقطعة والأنساب مرتفعة ، والكل خاضعون مخبتون خاشعون ، أعظمهم في الدنيا تجبرا أشدهم{[12]} هنالك صغارا وتحسرا ، ثم أتبع ذلك من يستحق هنالك النكال والسلاسل والأغلال ، ثم أولاه رفعة أهل الإيمان الذين طبعهم على الإقرار بها والعرفان ، واستمر [ على{[13]}- ] هذا إلى آخر القرآن قل أن تأتي سورة إلا وهي معرفة بها غاية المعرفة إلى أن ختم بالدين إشارة بذلك إلى أن معرفتها هي [ الدين-{[14]} ] .
وأشار في " تبت " إليها وأتبعها الإخلاص إشارة إلى أنه لا يسلم فيهال إلا الموحدون المعاذون من الفتن الظاهرة والباطنة ، المتصفون بالمحامد المتعاظمة المتكاثرة ، فآذن ذلك أن أكثر غاية القرآن في أمرها العظيم الشأن لأنه/{[15]}لا كتاب بعد هذا الكتاب{[16]} ينتظر ولا أمة أشرف من هذه {[17]}تخص بيان{[18]} أعظم من بيانها وهو{[19]} أحد الأوجه التي فاق بها القرآن على الكتب الماضية والصحف الكائنة في القرون الخالية ، وآذن ذلك بأن الأمر قد قرب والهول قد دهم والخوف قد قدح ، ليشمر أهل الاختصاص في النجاة من عذابها والخلاص ، حين لا مفر ولا ملجأ ولات حين مناص ، نسأل الله العافية في يومها والعيشة الراضية ، وعلى هذا المقصد دل اسمها " سأل " وكذا المعارج وهما أنسب ما فيها للدلالة على ذلك ، وقانا الله سبحانه وتعالى من آفاتها والمهالك آمين ( بسم الله ) الملك الأعظم الذي تنقطع{[20]} الأعناق والآمال{[21]} دون عليائه ( الرحمان ) الذي أوضح نعمة البيان وعم بها وشهرها حتى صارت في الوضوح إلى حد لا مطمع [ لأحد{[22]} ] في [ ادعاء-{[23]} ] خفائه ( الرحيم ) الذي [ اصطفى- ]{[24]} من عباده{[25]} من وفقه [ للفهم-{[26]} ] عنه والطاعة له ، فكان من أوليائه .
لما ختم أمر الطامة الكبرى في الحاقة حتى{[68255]} ثبت أمره ، وتساوى سره وجهره ، {[68256]}ودل عليها{[68257]} حتى لم يبق هناك نوع لبس في وجوب التفرقة في الحكمة بين {[68258]}المحسن والمسيء{[68259]} ، وختم بأن ترك ذلك مناف للكمال فيما نتعارقه{[68260]} من أمور العمال{[68261]} بعد أن أخبر أنه يعلم أن منهم مكذبين ، وكان السائل عن شيء يدل على أن{[68262]} السائل ما فهمه حق فهمه ، ولا اتصف بحقيقة علمه ، عجب في أول هذه ممن سأل عنها فقال : { سأل } ودل على أنه لو لم يسأل عنها إلا واحد من العباد لكان جديراً بالتعجب منه والإنكار عليه بالإفراد في قوله : { سائل } وهو من السؤال في قراءتي من خفف بإبدال الهمزة ألفاً ومن همز .
ولما كان سؤالهم من وقت مجيء الساعة والعذاب وطلبهم تعجيل ذلك إنما هو استهزاء ، ضمن " سأل " استهزاء ثم حذفه ودل عليه بحال انتزعها منه وحذفها ودل عليها بما تعدى به فقال ، أو أنه حذف مفعول السؤال المتعدي " بعن " ليعم{[68263]} كل مسؤول عنه إشارة إلى أن من{[68264]} تأمل الفطرة الأولى وما تدعو إليه من الكمال فأطاعها فكان مسلماً فاضت عليه العلوم ، وبرقت له متجليه أشعة الفهوم ، فبين المراد من دلالة النص بقوله : { بعذاب } أي عن يوم القيامة بسبب عذاب أو مستهزئاً بعذاب عظيم جداً { واقع * }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.