إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المعارج مكية وآيها أربع وأربعون .

{ سَأَلَ سَائِلٌ } أي دَعَا داعٍ { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أي استدعاهُ وطلبَهُ وهُو النَّضرُ بنُ الحارثِ حيثُ قالَ إنكاراً واستهزاءً : «إنْ كانَ هَذا هُو الحقَّ من عندِكَ فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ » [ سورة الأنفال ، الآية 32 ] ، وقيلَ أبُو جهلٍ حيثُ قالَ أسقطْ علينا كسفاً من السماءِ ، وقيلَ هو الحارثُ بنِ النعمانِ الفهريُّ وذلكَ أنَّه لما بلغَهُ قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في عليَ رضيَ الله عنهُ من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ قالَ اللهمَّ إنْ كانَ ما يقولُ محمدٌ حقاً فأمطرْ علينا حجارةً من السماءِ ، فما لبثَ حَتَّى رماهُ الله تعالَى بحجرٍ فوقعَ على دماغِهِ فخرجَ من أسفلِهِ فهلكَ من ساعتِهِ ، وقيلَ هُو الرسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ استعجلَ عذابَهُمْ . وقُرِئَ سَأَلَ ، وهو إمَّا من السؤالِ على لُغةِ قُريشٍ فالمَعْنَى ما مرَّ أو من السَّيلانِ ، ويؤيدُهُ أنَّهُ قُرِئَ سالَ سيلٌ أي اندفعَ وادٍ بعذابٍ واقعٍ . وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحققِ وقوعِهِ إمَّا في الدُّنيا وهو عذابُ يومِ بدرٍ فإنَّ النضرَ قُتِلَ يومئذٍ صَبْراً{[797]} ، وقد مرَّ حالُ الفهريِّ ، وإمَّا في الآخرةِ فهو عذابُ النارِ والله أعلمُ .


[797]:قتل صبرا: أصل الصبر الحبس، والصبر: نصب الإنسان للقتل ويقال لكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا. وقتله آخر فقال: أقتلوا القاتل واصبروا يعني احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به، ومنه قيل للرجل يقدم فيضرب عنقه: قتل صبرا.