الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة المعارج مكية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

سورة سأل سائل [المعارج] مكية في قول جميعهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

مقصودها:

إثبات القيامة وإنذار من كفر بها، وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومها، وتسلية المنذر بها بما لمن كذبه بما له من الصغار والذل والتبار، ودل على وجوب وقوعها سابقا بما ختمه بتسميتها في السورة الماضية بالحاقة تنبيها على أنه لا بد منها ولا محيد عنها، ودل على ذلك بالقدرة في أولها والعلم في أثنائها و التّنزه عما في إهمالها من النقص في آخرها.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وتسمى سورة الموافق... وهي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار، وقد قال ابن عباس أنها نزلت عقيب سورة الحاقة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة حلقة من حلقات العلاج البطيء، المديد، العميق، الدقيق، لعقابيل الجاهلية في النفس البشرية كما واجهها القرآن في مكة؛ وكما يمكن أن يواجهها في أية جاهلية أخرى مع اختلافات في السطوح لا في الأعماق! وفي الظواهر لا في الحقائق! أو هي جولة من جولات المعركة الطويلة الشاقة التي خاضها في داخل هذه النفس، وفي خلال دروبها ومنحنياتها، ورواسبها وركامها. وهي أضخم وأطول من المعارك الحربية التي خاضها المسلمون -فيما بعد- كما أن هذه الرواسب وتلك العقابيل هي أكبر وأصعب من القوى التي كانت مرصودة ضد الدعوة الإسلامية والتي ما تزال مرصودة لها في الجاهليات القديمة والحديثة! والحقيقة الأساسية التي تعالج السورة إقرارها هي حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء؛ وعلى وجه الخصوص ما فيها من عذاب للكافرين، كما أوعدهم القرآن الكريم. وهي تلم -في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة- بحقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء. وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من الإيمان. كما تلم بسمات النفس المؤمنة ومنهجها في الشعور والسلوك، واستحقاقها للتكريم. وبهوان الذين كفروا على الله وما أعده لهم من مذلة ومهانة تليق بالمستكبرين.. وتقرر السورة كذلك اختلاف القيم والمقاييس في تقدير الله وتقدير البشر، واختلاف الموازين... وتؤلف بهذه الحقائق حلقة من حلقات العلاج الطويل لعقابيل الجاهلية وتصوراتها، أو جولة من جولات المعركة الشاقة في دروب النفس البشرية ومنحنياتها. تلك المعركة التي خاضها القرآن فانتصر فيها في النهاية مجردا من كل قوة غير قوته الذاتية. فقد كان انتصار القرآن الحقيقي في داخل النفس البشرية -ابتداء- قبل أن يكون له سيف يدفع الفتنة عن المؤمنين به فضلا على أن يرغم به أعداءه على الاستسلام له! والذي يقرأ هذا القرآن -وهو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة- يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة. ويرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعا عجيبا.. تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية والمؤثرات الجارفة! وتارة يواجهها بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات والرواسب! وتارة يواجهها بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها ولا يصبر على لذعها! وتارة يواجهها بما يشبه المناجاة الحبيبة، والمسارة الودود، التي تهفو لها المشاعر وتأنس لها القلوب! وتارة يواجهها بالهول المرعب، والصرخة المفزعة، التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب! وتارة يواجهها بالحقيقة في بساطة ونصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها ولا الجدال فيها. وتارة يواجهها بالرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها ويناجيها. وتارة يتخلل مساربها ودروبها ومنحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين، وتخجل من بعضه، وتكره بعضه، وتتيقظ لحركاتها وانفعالاتها التي كانت غافلة عنها!.. ومئات من اللمسات، ومئات من اللفتات، ومئات من الهتافات، ومئات من المؤثرات.. يطلع عليها قارئ القرآن، وهو يتبع تلك المعركة الطويلة، وذلك العلاج البطيء. ويرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة. وهذه السورة تكشف عن جانب من هذه المحاولة في إقرار حقيقة الآخرة، والحقائق الأخرى التي ألمت بها في الطريق إليها. وحقيقة الآخرة هي ذاتها التي تصدت لها سورة الحاقة، ولكن هذه السورة تعالجها بطريقة أخرى، وتعرض لها من زاوية جديدة، وصور وظلال جديدة.. في سورة الحاقة كان الاتجاه إلى تصوير الهول والرعب في هذا اليوم، ممثلين في حركات عنيفة في مشاهد الكون الهائلة: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).. وفي الجلال المهيب في ذلك المشهد المرهوب: (والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية).. وفي التكشف الذي ترتج له وتستهوله المشاعر: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).. كذلك كان الهول والرعب يتمثلان في مشاهد العذاب، حتى في النطق بالحكم بهذا العذاب: (خذوه. فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).. كما يتجلى في صراخ المعذبين وتأوهاتهم وحسراتهم: (يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية..) فأما هنا في هذه السورة فالهول يتجلى في ملامح النفوس وسماتها وخوالجها وخطواتها، أكثر مما يتجلى في مشاهد الكون وحركاته. حتى المشاهد الكونية يكاد الهول يكون فيها نفسيا! وهو على كل حال ليس أبرز ما في الموقف من أهوال. إنما الهول مستكن في النفس يتجلى مداه في مدى ما يحدثه فيها من خلخلة وذهول وروعة: (يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميما. يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه).. وجهنم هنا "نفس " ذات مشاعر وذات وعي تشارك مشاركة الأحياء في سمة الهول الحي: إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى.. والعذاب ذاته يغلب عليه طابع نفسي أكثر منه حسيا: (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).. فالمشاهد والصور والظلال لهذا اليوم تختلف في سورة المعارج عنها في سورة الحاقة، باختلاف طابعي السورتين في عمومه. مع اتحاد الحقيقة الرئيسية التي تعرضها السورتان في هذه المشاهد. ومن ثم فقد تناولت سورة المعارج -فيما تناولت- تصوير النفس البشرية في الضراء والسراء، في حالتي الإيمان والخواء من الإيمان. وكان هذا متناسقا مع طابعها " النفسي " الخاص: فجاء في صفة الإنسان (إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين، الذين هم على صلاتهم دائمون.. الخ.. واستطرد السياق فصور هنا صفات النفوس المؤمنة وسماتها الظاهرة والمضمرة تمشيا مع طبيعة السورة وأسلوبها: (إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم بشهاداتهم قائمون. والذين هم على صلاتهم يحافظون...).. ولقد كان الاتجاه الرئيسي في سورة الحاقة إلى تقرير حقيقة الجد الصارم في شأن العقيدة. ومن ثم كانت حقيقة الآخرة واحدة من حقائق أخرى في السورة، كحقيقة أخذ المكذبين أخذا صارما في الأرض؛ وأخذ كل من يبدل في العقيدة بلا تسامح.. فأما الاتجاه الرئيسي في سورة المعارج فهو إلى تقرير حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء، وموازين هذا الجزاء. فحقيقة الآخرة هي الحقيقة الرئيسية فيها. ومن ثم كانت الحقائق الأخرى في السورة كلها متصلة اتصالا مباشرا بحقيقة الآخرة فيها. من ذلك حديث السورة عن الفارق بين حساب الله في أيامه وحساب البشر، وتقدير الله لليوم الآخر وتقدير البشر: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا... الخ وهو متعلق باليوم الآخر. ومنه ذلك الفارق بين النفس البشرية في الضراء والسراء في حالتي الإيمان والخلو من الإيمان. وهما مؤهلان للجزاء في يوم الجزاء. ومنه غرور الذين كفروا وطمعهم أن يدخلوا كلهم جنات نعيم، مع هوانهم على الله وعجزهم عن سبقه والتفلت من عقابه. وهو متصل اتصالا وثيقا بمحور السورة الأصيل. وهكذا تكاد السورة تقتصر على حقيقة الآخرة وهي الحقيقة الكبيرة التي تتصدى لإقرارها في النفوس. مع تنوع اللمسات والحقائق الأخرى المصاحبة! للموضوع الأصيل. ظاهرة أخرى في هذا الإيقاع الموسيقي للسورة، الناشئ من بنائها التعبيري.. فقد كان التنوع الإيقاعي في الحاقة ناشئا من تغير القافية في السياق من فقرة لفقرة. وفق المعنى والجو فيه.. فأما هنا في سورة المعارج فالتنوع أبعد نطاقا، لأنه يشمل تنوع الجملة الموسيقية كلها لا إيقاع القافية وحدها. والجملة الموسيقية هنا أعمق وأعرض وأشد تركيبا. ويكثر هذا التنوع في شطر السورة الأول بشكل ملحوظ. ففي هذا المطلع ثلاث جمل موسيقية منوعة -مع اتحاد الإيقاع في نهاياتها- من حيث الطول ومن حيث الإيقاعات الجزئية فيها على النحو التالي: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج. تعرج الملائكة والروح إليه. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. فاصبر صبرا جميلا).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس. (إنهم يرونه بعيدا. ونراه قريبا).. حيث يتكرر الإيقاع بمد الألف مرتين. (يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميما).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الثالث. مع تنوع الإيقاع في الداخل. (يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا إنها لظى).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس كالأول. (نزاعة للشوى.. تدعو من أدبر وتولى. وجمع فأوعى. إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا).. حيث يتكرر إيقاع المد بالألف خمس مرات منهما اثنتان في النهاية تختلفان عن الثلاثة الأولى. ثم يستقيم الإيقاع في باقي السورة على الميم والنون وقبلهما واو أو ياء.. والتنويع الإيقاعي في مطلع السورة عميق وشديد التعقيد في الصياغة الموسيقية بشكل يلفت الأذن الموسيقية إلى ما في هذا التنويع المعقد الراقي -موسيقيا- من جمال غريب على البيئة العربية وعلى الإيقاع الموسيقي العربي. ولكن الأسلوب القرآني يطوعه ويمنحه اليسر الذي يدخل به إلى الأذن العربية فتقبل عليه، وإن كان فنا إبداعيا عميقا جديدا على مألوفها الموسيقي. والآن نستعرض السورة تفصيلا...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي، وفي تفسير الطبري وابن عطية وابن كثير سورة سأل سائل. وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس. وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير سورة المعارج. وذكر في الإتقان أنها تسمى « سورة الواقع». وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها، وأخصها بها جملة سال سائل، لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن، إلا أنها غلب عليها اسم « سورة المعارج» لأنه أخف...

أغراضها:

حوت من الأغراض:

تهديد الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثبات ذلك اليوم ووصف أهواله.

ووصف شيء من جلال الله فيه.

وتهويل دار العذاب وهي جهنم. وذكر أسباب استحقاق عذابها.

ومقابلة ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دار الكرامة، وهي أضداد صفات الكافرين.

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليته على ما يلقاه من المشركين.

ووصف كثير من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم.

وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لهذه السورة أربعة أقسام:

القسم الأوّل: يتحدث عن العذاب السريع الذي حلّ بأحد الأشخاص ممن أنكر أقوال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لو كان هذا القول حقّاً فلينزل عليّ العذاب. فنزل (الآية 1 -3).

القسم الثّاني: ذكر الكثير من خصوصيات يوم القيامة ومقدماتها وحالات الكفار في ذلك اليوم.

القسم الثّالث: توضح هذه السورة بعض الصفات الإنسانية الحسنة والسيئة والتي تعيّن هذا الشخص من أهل الجنان أم من أهل النّار.

القسم الرّابع: يشمل إنذارات تخصّ المشركين والمنكرين، وتبيان مسألة المعاد وينهى بذلك السورة.

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار بن قصي، وذلك أنه قال: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فقتل يوم بدر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلفت القرّاء في قراءة قوله:"سأَلَ سائِلٌ "فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: "سأَلَ سائِلٌ" بهمز سأل سائل، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله، بمن هو واقع. وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة: «سال سائِلٌ» فلم يهمز سأل، ووجهه إلى أنه فعل من السيل.

والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه... عن ابن عباس، قوله: "سألَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ" قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع...

وأما الذين قرأوا ذلك بغير همز، فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم...

وقوله: "بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ" يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم.

ومعنى "للْكافِرِينَ": على الكافرين...

وقوله: "لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ ذِي المَعَارِجٍ" يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

والقراءة العامة بالهمزة من السؤال، وتأويله على سؤال القوم العذاب بقولهم: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] وقولهم: {ربنا عجل لنا قطّنا} [ص: 16]. وقيل هو النضر بن الحارث سأل ذلك، فقتل يوم بدر بعد أسر، هكذا قال بعض أهل التأويل، ولكن عندنا أن هذا، وإن كان في الظاهر خارج مخرج السؤال، لكن لم يكن سؤاله لينزل به العذاب في التحقيق، وإنما هذا منه على جهة الاستبعاد بالعذاب والاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم...

والذي حملهم على الاستبعاد والإنكار، هو أنه كان عند أهل مكة أنه لو كان فيهم نبي لكانوا هم أحق بالنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الذين بسطت لهم الدنيا، وهم الذين لهم نفاذ الكلام في البلاد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبسط له الدنيا، ولا كان لكلامه في ما بينهم نفاذ، فيظنون بهذا أنهم أقرب منزلة عند الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه ويحسن إليه، ويدع صلة وليّه، ويخفيها. فهذا الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما يخبرهم بحلول العذاب بالتكذيب، وعلى الاستهزاء به، فكان سؤال السائل على جهة استبعاد إمكان العذاب لا أن كانوا مقرين به، ثم استعجلوه... فهذه الشبهة التي ذكرناها [هي] التي أورثت لهم ما ذكرنا من الظن حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة. وظنهم هذا يتولد من إبليس، وذلك أن إبليس {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف: 12]

{بعذاب واقع} أي هو واقع بهم لا محالة في علم الله تعالى، أو واقع بمعنى سيقع كما يقال: قابل أي سيقبل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ضمن {سَأَلَ} معنى دعا، فعدّي تعديته، كأنه قيل: دعا داع {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} من قولك: دعا بكذا. إذا استدعى وطلبه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، ولا يسأل حميم حميما، يبصرونهم، يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا! إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى..

كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب؛ ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة، وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب؛ وينكرونها أشد الإنكار، ويتحدون الرسول [صلى الله عليه وسلم] في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود، أو أن يقول لهم: متى يكون.

وفي رواية عن ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو النضر بن الحارث. وفي رواية أخرى عنه: قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم.

وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله. وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا، لأنه كائن في تقدير الله من جهة، ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى. وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه. فالسؤال عنه واستعجاله -وهو واقع ليس له من دافع- يبدو تعاسة من السائل المستعجل؛ فردا كان أو مجموعة!

وهذا العذاب للكافرين.. إطلاقا.. فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر. وهو واقع من الله (ذي المعارج).. وهو تعبير عن الرفعة والتعالي، كما قال في السورة الأخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش)..

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

أي: تساءل سائل عن العذاب المنتظر، يستعجل به لماذا لم ينزل عليه في الحين، على حد ما ورد في قوله تعالى في آية ثانية: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده} (الحج: 47).

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{سَأَلَ سَآئِلٌ} هل هناك سؤال عن العذاب في طبيعته أو في توقيته ليكون السؤال في معنى الاستفهام، أو أن السؤال بمعنى الطلب فتكون القضية هي في الطريقة التي كان يدير المشركون فيها مع النبي الحوار الجدلي عن الآخرة وعذابها الذي ينتظرهم، فيبرزون الحديث بطريقة التحدي كما كانت الطريقة التاريخية للأمم السابقة التي كانت تستعجل العذاب كإيحاءٍ بعدم جدّيته، في إظهار تكذيبهم للرسول بهذا الأسلوب. والظاهر أن هذا هو الأقرب من خلال السياق الذي أكّد العذاب كحقيقةٍ إيمانيةٍ ثابتةٍ لا مجال للشك فيها، فهو واقع بهم، ولن يستطيع أحدٌ أن يدفعه عنهم.