نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ} (200)

ولما أمرهم بالذكر في المناسك وكان الإنسان فيها بصدد الذكر أمرهم بالذكر بعد قضائها لأن من فرغ من العبادة كان بصدد أن يستريح فيفتر عن الذكر إلى غيره وكانت عادتهم أن يذكروا بعد فراغهم مفاخر آبائهم فقال : { فإذا قضيتم }{[8829]} أي أنهيتم{[8830]} إنهاء بيناً لا شبهة فيه{[8831]} { مناسككم } أي أركان الحج ، {[8832]}وأعاد الاسم الأعظم بمثل{[8833]} ما مضى من التعظيم وتعميم{[8834]} الذكر في جميع الوجوه فقال{[8835]} : { فاذكروا الله } الذي لا نعمة عليكم إلا منه وهو الذي هداكم ، ذكراً{[8836]} { كذكركم آباءكم } لكونهم أحسنوا إليكم بالتربية التي هي في الحقيقة من فضل الله تعالى ، على أنهم فعلوا بكم كل{[8837]} محنة لا توازيها نعمة فإنهم أضلوكم ، فسبحان من رضي{[8838]} وهو المنعم المطلق الهادي بأن يذكر مثل ذكر من كان سبباً لنعمة خاصة هو سبحان{[8839]} الذي أفاضها عليه مع أنه كان سبباً في الضلال ! قال الحرالي : فانتظم ذكر إخراجهم عن قولهم المعهود بإخراجهم عن موقفهم المعهود إخراجاً لهم عن معتادهم في أعمالهم وأحوالهم ، وفي إعلامه {[8840]}أخذ للخلق{[8841]} بأن يعاملوا الحق معاملة من يجلونه{[8842]} من الخلق وذلك عن بلية ما غلب عليهم من التقيد{[8843]} بما يرون وضعف الإيمان بما سمعوا أو علموا .

ولما كان في هذه التربية{[8844]} بخس{[8845]} جرى{[8846]} عليه هذا الخطاب كما ورد " استحي من الله كما تستحيي{[8847]} رجلاً جليلاً من قومك " قال تعالى : { أو أشد ذكراً } انتهى . أي{[8848]} {[8849]}اذكروا الله ذكراً أعلى{[8850]} من ذلك بأن تذكروه ذكراً أشد من ذكركم لآبائكم لما له من الفضل العام{[8851]} ، ومما يدخل تحت هذا الذكر أن يأنف من أن يكون لله{[8852]} في عبادته أو شيء من أموره شريك كما يستنكف ابن {[8853]}أن يكون لأبيه فيه شريك بل يكون في أمر الشرك أشد أنفة . قال الحرالي : فرفع الخطاب إلى ما هو أليق بالحق{[8854]} من إيثار ما يرجع إليه على ما يرجع إلى الخلق انتهى{[8855]} .

ولما أمر تعالى{[8856]} بما أمر من ذكره{[8857]} لذاته ثم لإحسانه على الإطلاق ثم قيد بإفراده{[8858]} بذلك وترك ذكر الغير سبب عنه تقسيم الناس في قبول الأمر فقال{[8859]} صارفاً من{[8860]} القول عن الخطاب دلالة على العموم : { فمن الناس{[8861]} من{[8862]} } تكون الدنيا أكبر همه فلا التفات له إلى غيرها فهو { يقول } {[8863]}أفرد الضمير رعاية للفظ من بشارة بأن الهالك{[8864]} في هذه الأمة إن شاء الله قليل { ربنا{[8865]} } أيها المحسن إلينا { آتنا في الدنيا } {[8866]}ومفعوله محذوف تقديره : ما نريد{[8867]} - { و } الحال أنه { ما له } {[8868]}ويجوز أن يكون{[8869]} عطفاً على ما تقديره : فيعطيه ما شاء سبحانه منها لا{[8870]} ما طلب هو ، وليس له{[8871]} { في الآخرة من خلاق * } أي نصيب لأنه لا رغبة له فيها فهو لا يطلبها ولا يسعى لها سعيهاقال الحرالي : والخلاق الحظ اللائق بالخَلق والخُلق .


[8829]:وقال السدي: كانوا إذا قضوا المناسك وأقاموا بمنى يقوم الرجل ويسأل الله فيقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة كثير المال فأعطني بمثل ذلك ليس يذكر الله إنما يذكر أباه ويسأل الله أن يعطيه في دنياه ....والمعنى: ابتهلوا بذكر الله والهجوا به كما يلهج المرء بذكر أبيه.
[8830]:ليست في ظ.
[8831]:ليست في ظ.
[8832]:العبارة من هنا إلى "جميع الوجوه" ليست في ظ.
[8833]:في مد: لمثل.
[8834]:من م ومد وفي الأصل: تعمم.
[8835]:سقط من ظ.
[8836]:سقط من ظ.
[8837]:ليس في م ومد وظ.
[8838]:زيد في م: عنكم.
[8839]:في م ومد وظ: سبحانه.
[8840]:في الأصل: أحد الخلق، والتصحيح من بقية الأصول.
[8841]:في الأصل: أحد الخلق، والتصحيح من بقية الأصول.
[8842]:في م: يجعلونه، ولا يتضح في مد.
[8843]:من م وظ ومد، وفي الأصل: التقييد.
[8844]:من ظ، وفي بقية الأصول: الرتبة.
[8845]:من م وظ، وفي الأصل: بحسن وفي مد: بحس.
[8846]:في الأصل: حوى، والتصحيح من م وظ ومد.
[8847]:في الأصل: يستحي، والتصحيح من م ومد وظ.
[8848]:زيد في ظ: منكم، وزيد في م: و، وفي مد: أو.
[8849]:العبارة منهنا إلى "من ذكركم" ليست في ظ.
[8850]:من م ومد، وفي الأصل: على.
[8851]:العبارة من هنا إلى "أنفة" ليست في ظ.
[8852]:من م ومد وفي الأصل: الله.
[8853]:ليس في م ومد.
[8854]:زيد من م وظ ومد.
[8855]:زيد من م وظ ومد.
[8856]:زيد في الأصل: بها، ولم تكن الزيادة في م ومد وظ فحذفناها.
[8857]:العبارة من هنا إلى "ذكر الغير" ليست في ظ، وأخرت في م عن "فمن الناس من".
[8858]:في م: لإفراده.
[8859]:العبارة من هنا إلى "على العموم" ليست في ظ.
[8860]:ليس في مد.
[8861]:قالوا: بين الله تعالى حال الذاكرين له قبل مبعثه وحال المؤمنين بعد مبعثه وعلمهم بالثواب والعقاب، والذي يظهر أن هذا تقسيم للمامورين بالذكر بعد الفراغ من المناسك وأنهم ينقسمون في السؤال إلى من يغلب عليه حب الدنيا فلا يدعو إلا بها، ومنهم من يدعو بصلاح حاله في الدنيا والآخرة. وأن هذا من الالتفات ولو جاء على الخطاب لكان: فمنكم من يقول ومنكم، وحكمة هذا الالتفات أنهم ما وجهوا بهذا الذي لا ينبغي أن يسلكه عاقل وهو الاقتصار على الدنيا فأبرزوا في صورة أنهم غير مخاطبين بذكر الله بأن جعلوا في صورة الغائبين، وهذا من التقسيم الذي هو من جملة ضروب البيان وهو تقسيم بديع يحصره المقسم إلى هذا النوعين – البحر المحيط 2 / 104.
[8862]:ليس في مد.
[8863]:العبارة من هنا إلى "قليل" ليست في ظ.
[8864]:في م: الهلاك.
[8865]:وجمع في قوله: "ربنا آتنا في الدنيا" ولو جرى على لفظ من لكان: رب آتى وروعى الجمع هنا لكثرة من يرغب في الاقتصار على مطالب الدنيا ونيلها، ولو أفرد لتوهم أن ذلك قليل – البحر المحيط 2 / 105.
[8866]:ليس في م. والعبارة من هنا إلى "ما نريد" ليست في ظ.
[8867]:من مد وفي م: يزيد وفي الأصل: يريد.
[8868]:العبارة من هناإلى "وليس" ليست في ظ.
[8869]:زيد في م ومد : هذا.
[8870]:من مد وفي الأصل: لأنه وفي م: لأن.
[8871]:زيد من م ومد.