فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ} (200)

{ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ، ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } .

{ فإذا قضيتم مناسككم } المراد بالمناسك أعمال الحج ومنه قوله صلى الله عليه وسلم { خذوا عني مناسككم } أي فإذا فرغتم من أعمال الحج . وقيل المراد بها الذبائح وذلك بعد رمي جمرة العقبة والاستقرار بمنى .

{ فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } إنما قال سبحانه ذلك لأن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم يقفون عند الجمرة وقيل عند البيت فيذكرون مفاخر آبائهم ومناقب أسلافهم بالمنثور والمنظوم من الكلام الفصيح وغرضهم بذلك الشهرة والسمعة والرفعة ، فلما من الله عليهم بالإسلام أمرهم بذكره مكان ذلك الذكر ، ويجعلونه ذكرا مثل ذكرهم لآبائهم أو أشد من ذكرهم لآبائهم والذكر له بالتمجيد والتحميد والتهليل والتسبيح والتكبير والثناء عليه ، وقيل أو بمعنى الواو أي وأكثروا ذكر الله تعالى من ذكركم للآباء لأنه هو المنعم عليكم وعلى آبائكم فهو المستحق للذكر والحمد مطلقا .

{ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } لما أرشد سبحانه عباده إلى ذكره وكان الدعاء نوعا من أنواع الذكر جعل من يدعوه منقسما إلى قسمين : أحدهما يطلب حظ الدنيا ولا يلتفت إلى حظ الآخرة والقسم الآخر يطلب الأمرين جميعا والخلاق النصيب أي ما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب لأن همه مقصور على الدنيا لا يريد غيرها ولا يطلب سواها .

وفي هذا الخبر معنى النهي عن الإقصار على طلب الدنيا والذم لمن جعلها غاية ومعظم مقصوده .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش } أخرجه البخاري ، وهذا دعاء عليه بالهلاك .

وفي الباب أحاديث كثيرة وإنما كان سؤال المشركين للدنيا ولم يطلبوا التوبة والمغفرة ونعيم الآخرة لأنهم كانوا ينكرون البعث .