فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ} (200)

{ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا } فإذا أتممتم شعائر حجكم وما به تتقربون من مناسك لله ربكم فأكثروا من ذكر مولاكم أكثر من ذكركم لآبائكم إذ هو سبحانه أهل أن يذكر فلا ينسى وقد عهد إلينا جل ثناؤه أن تلهج الألسن بتعظيمه وتمجيده فنادانا في محكم كتابه { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا }{[641]} وأعد لمن ذكره كثيرا{[642]} من ذكر أو أنثى الجزاء الأوفى { . . . والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما }{[643]} ؛ كما بين الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رفعة قدر الذاكرين ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال ما أجلسكم ؟ قالوا جلسنا نذكر الله ، قال الله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا الله ما أجلسنا غيره ، قال أما إني لا أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديث مني ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ( ما أجلسكم ) قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا من الإسلام ومن به علينا قال الله ما أجلسكم إلا ذلك الله ما أجلسنا إلا ذلك قال ( أما إني ما أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة ) قال قتادة كان أهل الجاهلية إذ قضوا مناسكهم بمنى قعدوا حلقا فذكروا صنيع آبائهم في الجاهلية وفعالهم ، به يخطب خطيبهم ويحدث محدثهم فأمر الله عز وجل المسلمين أن يذكروا الله كذكر أهل الجاهلية آبائهم أو أشد ذكرا ، وقيل جرى ذكر الآباء مثلا لدوام الذكر والمعنى كما أن الرجل لا ينسى ذكر أبيه فكذلك يجب ألا يغفل عن ذكر الله ، وعن ابن عباس معنى الآية أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالدك إذا ذكر بسوء وعلى جميع الوجوه فمعنى{ أو } ههنا ليس التشكيك وإنما المراد به النقل عن شيء إلى ما هو أقرب وأولى . . . وإنما أمر الله تعالى أن يكون ذكره أشد لأن مفاخر آبائهم متناهية وصفاته الكمالية غير متناهية وتلك مشكوكة وهذه متيقنة وغاية الأول تضييع وحرمان ، ولازم الثاني نور وبرهان-{[644]} .

{ فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق } نقل عن السدي قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله ويقول اللهم إن أبي كان عظيما الجفنة ، عظيم القبة كثير المال فأعطني مثل ما أعطيت أبي ليس يذكر الله ، إنما يذكر آباءه ويسأل أن يعطى في الدنيا وهذا نهي عن الدعاء المخصوص بأمر الدنيا وإن جاء في صيغة الخبر عنهم والخلاق النصيب ؛ [ ويجوز أن يتناول هذا الوعيد المؤمن أيضا إذا قصر دعواته في الدنيا وعلى هذا ف { ما له في الآخرة من خلاق } أي كخلاق الذي يسأل الآخرة


[641]:سورة الأحزاب الآية 41.
[642]:أخرج الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بشيء لأتشبث به ولا تكثر علي فأنسى وفي رواية أن شرائع الإسلام قد كثرت وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى قال (لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى) وإسناده صحيح وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[643]:سورة الأحزاب من الآية 35.
[644]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن