الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَإِذَا قَضَيۡتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرٗاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ} (200)

{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } [ فرغتم ] من حجكم وذبحتم مناسككم يقال منه نسك الرجل ينسك نسكاً ونسكاً ونسيكة ومنسكاً إذا ذبح نسكه ، والمنسك المذبح مثل المشرق والمغرب ، ويقال من [ العهد ] نسك ومنسك ومونسكاً ونسكاً ونساكه إذا . . . نظر ، وأبو عمرو يدغم الكاف في الكاف فيه وفي أخواته في كل القرآن مثل قوله { مَا سَلَكَكُمْ } [ المدثر : 42 ] لأنهما مثلان .

قال الشاعر :

ولا ( نشار ) لك عندي بعد واحدة *** لا والذي أصبحت عندي له نعم { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ } .

قال أكثر المفسرين في هذه الآية : كانت العرب إذا فرغوا من حجهم وقفوا عند البيت وذكروا مآثر أبائهم ومفاخرهم فكان الرجل يقول إن أبي كان يُقرى الضيف ويضرب بالسيف ويُطعم الطعام وينحر الجزور ويفك العاني ويجز النواصي ويفعل كذا وكذا فيتفاخرون بذلك فأمرهم الله بذكره فقال : فاذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم واحسنت إليكم وإليهم .

قال السّدي : كانت العرب إذا قضيت مناسكها وأقاموا بِمنى يقوم الرجل فيسأل الله ويقول اللّهمّ إن أبي كان عظيم [ الحجة ] عظيم القبة كثير المال فأعطني كلّ ما أعطيت أبي ، ليس يذكر الله إنّما يذكر ويسأل أن يعطى في دنياه فأنزل الله تعالى هذه الآية .

وقال ابن عبّاس وعطاء والربيع والضحاك : معناه فاذكروا الله كذكر الصبيان الصغار الأباء ؛وهو قول الصبي أول ما يفصح ويفقه الكلام [ أبه أمه ] ثمّ يلهج بأبيه وأمه .

عن أبي الجوزاء قال : قلت لابن عبّاس أخبرنا عن قوله { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ } وقد يأتي على الرجل اليوم لا يذكر أباه فيه . فقال ابن عبّاس : ليس كذلك ولكن من يُغضب الله إذا عصى بأشد من غضبك لوالديك إذا أهنتهما .

القرظي : في قوله { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ } قال كذكركم آباءكم إياكم . { أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } يعني أشد وبل أشد كقوله { أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] مقاتل : { أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } أي أكثر ذكراً كقوله { أَشَدُّ قَسْوَةً } { أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [ النساء : 77 ] وأما وجه إنتصاب ( أشد ) ، فقال الأخفش : اذكروه أشد .

وقال الزجاج : في محل الخفض لكنه لا ينصرف لانه صفة على مفعال أفعل وصفته ذكراً على التمييز . { فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا } أي أعطنا إبلاً وغنماً وبقراً وعبيداً وإماءً فحذف المفعول .

قال أنس : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون ويقولون اللّهمّ اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر وردّنا صالحين إلى صالحين .

قتادة : هذا عبدٌ نوى الدنيا لها أنفق ولها عمل ولها [ قضت ] فهي همه وأمنيته وطلبته . { وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } حظ ونصيب