معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

وقوله : { وَأَما ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ } .

القراءة برفع ثمود ، قرأ بذلك عاصم ، وأهل المدينة والأعمش . إلا أن الأعمش كان يجرى ثمود في كل القرآن إلا قوله : { وآتَيْنا ثَمُودَ الناقَةَ } ، فإنه كان لا ينون ، لأَنّ كتابه بغير ألف . ومن أجراها جعلها اسمًا لرجل أو لجبل ، ومن لم يجرها جعلها اسمًا للأُمة التي هي منها قال : وسمعت بعض العرب يقول : تترك بني أسد وهم فصحاء ، فلم يُجْر أسدَ ، وما أردت به القبيلة من الأَسماء التي تجرى فلا تحرها ، وإجراؤها أجود في العربية مثلَ قولك : جاءتك تميمٌ بأسرها ، وقيس بأسرها ، فهذا مما يُجْرَى ، ولا يُجْرى مثل التفسير في ثمود وأسد .

وكان الحسن يقرأ : «وأما ثَمُودَ فَهَدَيْناهُمْ » بنصب ، وهو وجه ، والرفع أجود منه ، لأنّ أما تطلب الأسماء ، وتمتنع من الأفعال ، فهي بمنزلة الصلة للاسم ، ولو كانت أما حرفا يلي الاسم إذا شئت ، والفعل إذا شئت كان الرفع والنصب معتدلين مثل قوله : { والْقَمَرَ قَدَّرْناه مَنازِلَ } ، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل ، ومع الاسم ؟ فتقول : عبد الله ضربته وزيداً تركته ؛ لأنك تقول : وتركتُ زيدا ، فتصلح في الفعل الواو كما صلحت في الاسم ، ولا تقول : أما ضربتَ فعبد الله ، كما تقول : أما عبد الله فضربت ، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [ 165/ب ] فإنه يقول : خِلْقَةُ ما نصب الأسماء أن يسبقها لا أن تسبقه . وكل صواب .

وقوله : { فَهَدَيْناهُمْ } .

يقول : دللناهم على مذهب الخير ، ومذهب الشر كقوله : { وهَدَيْناهُ النَّجدينِ } .

الخير ، والشر .

[ حدثنا أبو العباس قال ، حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء قال : حدثني قيس عن زياد بن علاقة عن أبى عمارة عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله : { وهَدَيناهُ النَّجْدَيْنِ } : الخير ، والشر .

قال أبو زكريا : وكذلك قوله : { إنا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِما شَاكِراً وَإما كَفُوراً } .

والهدى على وجه آخر الذي هو الإرشاد بمنزلة قولك : أسعدناه ، من ذلك .

قوله : { أُولَئِكَ الَّّذينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } في كثير من القرآن .