الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

وقرىء : «ثمود » بالرفع والنصب منوّناً وغير منون والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء . وقرىء بضم الثاء { فهديناهم } فدللناهم على طريق الضلالة والرشد ، كقوله تعالى : { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] . { فاستحبوا العمى عَلَى الهدى } فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد .

فإن قلت : أليس معنى هديته : حصلت فيه الهدى ، والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى ، بمعنى : تحصيل البغية وحصولها ، كما تقول : ردعته فارتدع ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجرّدة ؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يُبق له عذراً ولا علة ، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها { صاعقة العذاب } داهية العذاب وقارعة العذاب . و { الهون } الهوان ، وصف به العذاب مبالغة ، أو أبدله منه ، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم - وكفى به شاهداً - إلاّ هذه الآية ، لكفى بها حجة .