الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

قوله تعالى : " وأما ثمود فهديناهم " أي بينا لهم الهدى والضلال ، عن ابن عباس وغيره . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وغيرهما " وأما ثمود " بالنصب وقد مضى الكلام فيه في " الأعراف " {[13428]} . " فاستحبوا العمى على الهدى " أي اختاروا الكفر على الإيمان . وقال أبو العالية : اختاروا العمى على البيان . السدي : اختاروا المعصية على الطاعة . " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " " الهون " بالضم الهوان . وهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو كنانة وأسد . وأهانه : استخف به . والاسم الهوان والمهانة . وأضيف الصاعقة إلى العذاب ؛ لأن الصاعقة اسم للمبيد المهلك ، فكأنه قال مهلك العذاب ، أي العذاب المهلك . والهون وإن كان مصدرا فمعناه الإهانة والإهانة عذاب ، فجاز أن يجعل أحدهما وصفا للآخر ، فكأنه قال : صاعقة الهون . وهو كقولك : عندي علم اليقين ، وعندي العلم اليقين . ويجوز أن يكون الهون اسما مثل الدون ، يقال : عذاب هون أي مهين ، كما قال : " ما لبثوا في العذاب المهين " . [ سبأ : 14 ] . وقيل : أي صاعقة العذاب ذي الهون . " بما كانوا يكسبون " من تكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة ، على ما تقدم .


[13428]:راجع ج 7 ص 238 طبعة أولى أو ثانية.