السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

ولما أنهى تعالى أمر صاعقة عاد ، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال تعالى : { وأما ثمود } وهم قوم صالح عليه السلام { فهديناهم } أي : بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا ، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب إبصار بصائرهم غاية الإبصار ، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تركهم طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم { فاستحبوا } أي : اختاروا { العمى } أي : الكفر { على الهدى } أي : الإيمان ، قال القشيري قيل : إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستبدال .

فإن قيل : أليس معنى هديته حصلت فيه الهدى والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى ، وبمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة ؟ أجيب : بأنه لما مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذراً ولا علة فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها .

{ فأخذتهم صاعقة العذاب } أي : بسبب ذلك أخذ قهر وهوان { الهون } أي : ذي الهوان وهو الذي يهينهم { بما كانوا } أي : دائماً { يكسبون } أي : من شركهم وتكذيبهم صالحاً عليه السلام .