الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (34)

قوله تعالى : { وَيَصُدُّونَ } : يحتمل أن يكون متعدياً أي : يصدون/ الناس ، وأن يكون قاصراً ، كذا قال الشيخ . وفيه نظر لأنه متعدٍّ فقط ، وإنما يُحْذف مفعولُه ، ويراد أو لا يراد كقوله : { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ } [ البقرة : 60 ] .

قوله : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ } الجمهورُ على قراءته بالواو . وفيه تأويلان ، أحدُهما : أنها استئنافيةٌ ، و " الذين " مبتدأ ضُمِّن معنى الشرط ؛ ولذلك دَخَلَتْ الفاءُ في خبره . والثاني : أنه من أوصافِ الكثيرِ من الأحبار والرهبان ، وهو قول عثمان ومعاوية ، ويجوز أن يكونَ " الذين " منصوباً بفعلٍ مقدرٍ يفسِّره " فَبَشِّرْهم " وهو أرجحُ [ لمكان الأمر ]

وقرأ طلحة بن مصرف " الذين " بغير واو ، وهي تحتمل الوجهين المتقدمين ، ولكنَّ كونَها من أوصافِ الكثير من الأحبار والرهبان أظهرُ مِنَ الاستئناف عكسَ التي بالواو .

والكَنْزُ : الجمع والضم ، ومنه ناقة كِناز أي : منضمَّة الخَلْق ، ولا يختص بالذهب والفضة ، بل يقال في غيرهما وإن غلب عليهما قال :

2480 لا دَرَّ دَرِّي إنْ أَطْعَمْتُ جائِعَهُمْ *** قِرْفَ الحَتِيِّ وعندي البُرُّ مَكْنوزُ

وقال آخر :

2481 - على شديدٍ لحُمُه كِنازِ *** باتَ يُنَزِّيني على أَوْفازِ

قوله : { وَلاَ يُنفِقُونَهَا } تقدَّم شيئان وعاد الضمير [ على ] مفرد فقيل : إنه من بابِ ما حُذِفَ لدلالة الكلام عليه ، والتقدير : والذين يَكْنزون الذهب ولا يُنْفقونه . وقيل : يعود على المكنوزات ودل على هذا جُزْؤه المذكورٌ ؛ لأنَّ المكنوزَ أعمُّ من النقدَيْن وغيرِهم ، فلمَّا ذَكَر الجزءَ دلَّ على الكل ، فعاد الضميرُ جمعاً بهذا الاعتبار ، ونظيره قول الآخر :

2482 ولو حَلَفَتْ بين الصَّفا أمُّ عامرٍ *** ومَرْوَتِها بالله بَرَّتْ يمينها

أي : ومروة مكة ، عاد الضميرُ عليها لمَّا ذُكِر جزؤُها وهو الصفا . كذا استدل به ابن مالك ، وفيه احتمال ، وهو أن يكون الضمير عائداً على الصَّفا ، وأُنِّثَ حَمْلاً على المعنى ، إذ هو في معنى البقعة والحَدَبة . وقيل : الضميرُ يعودُ على الذهب لأن تأنيثه أشهر ، ويكون قد حُذِفَ بعد الفضة أيضاً . وقيل : يعودُ على النفقة المدلول عليها بالفعل كقوله : *** { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ } [ المائدة : 8 ] . وقيل : يعودُ على الزَّكاة أي : ولا ينفقون زكاةَ الأموال . وقيل : يعودُ على الكنوز التي يدل عليها الفعل .