قوله{[28571]} : { يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان } ، إلى [ قوله ] : { ما كنتم تكنزون }[ 34 ، 35 ] .
قوله : { والذين يكنزون }[ 34 ] .
{ والذين } : في موضع رفع عطف على الضمير{[28572]} في : " يأكلون " ، فيكون التقدير : { لياكلوا أموال الناس بالباطل } ، ويأكلها معهم الذين يكنزون الذهب{[28573]} .
وقيل { الذين } : في موضع رفع بالابتداء{[28574]} .
ومعنى الآية : يا أيها الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، إن كثيرا من أحبار اليهود والنصارى ورهبانهم ، وهم : علماؤهم وعبادهم . وقيل { الاحبار } : القراء : { لياكلون أموال الناس بالباطل } ، ويأكلها معهم { الذين يكنزون الذهب } ، وذلك الرُّشى{[28575]} في الحكم ، وفي تحريف كتاب الله عز وجل ، يكتبون بأيديهم كتبا ، ويقولون : هذا من عبد الله ، يأخذون بها ثمنا قليلا ، { ويصدون عن سبيل الله }[ 34 ] ، أي : يمنعون من أراد الدخول في الإسلام{[28576]} .
و " الكنز " {[28577]} : كل مال وجبت فيه الزكاة ، فلم تؤد{[28578]} زكاته{[28579]} .
وقوله : { ولا ينفقونها }[ 34 ] .
أي : لا يؤدون زكاتها{[28580]} .
قال ابن عمر : كل ما مال أديت زكاته ليس بكنز ، وإن كان مدفونا ، وكل مال لم تؤد زكاته ، فهو كنز يكوى [ به ]{[28581]} صاحبه ، وإن لم يكن مدفونا{[28582]} .
وروي عن علي رضي الله عنه : أربعة آلاف درهم فما دونها " نفقة " /فإن زادت فهو " كنز " {[28583]} ، أديت زكاته أو لم تؤد{[28584]} .
قال ابن عباس : هي خاصة للمسلمين لمن لم يؤد زكاته منهم ، وهي عامة في أهل الكتاب ، من أدى الزكاة ومن لم يؤد ؛ لأنهم لا تقبل منهم نفقاتهم وإن أنفقوا{[28585]} .
وقال عمر بن عبد العزيز : أراها منسوخة بقوله : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها }{[28586]}[ 104 ] .
و " الكنز " في كلام العرب : كل شيء جُمع بعضه إلى بعض{[28587]} .
قوله : { ولا ينفقونها }{[28588]} .
ولم يقل : " ينفقونهما " ، إنما ذلك لأن الضمير رجع على الكنوز ، والكنوز تشتمل على الذهب والفضة{[28589]} .
وقيل : إن الضمير يرجع على : " الأموال " {[28590]} التي تقدم ذكرها أنها تؤكل بالباطل . وقيل : الضمير يعود على : " الفضة " ، وحذف العائد على الذهب لدلالة الكلام عليه{[28591]} ، كأنه{[28592]} قال : { ولا ينفقونها }{[28593]} و " ينفقونه " ، ثم حذف كما قال{[28594]} :
نحن{[28595]} بما عندنا وأنت بما *** عندك راض . . . {[28596]} .
وقيل الضمير : " للذهب " ، وضمير{[28597]} " الفضة " محذوف ، تقديره : { ولا ينفقونها }{[28598]} .
و " ينفقونها " ، والعرب تقول : " هي الذهب [ الحمراء ]{[28599]} " ، فتؤنث{[28600]} .
وقال معاوية : هذه الآية في أهل الكتاب خاصة{[28601]} .
وقوله : { فبشرهم بعذاب أليم }[ 34 ] .
أي : اجعل موضع البشارة لهم عذابا أليما ، أي : مؤلما ، بمعنى موجع{[28602]} .
[28572]:في الأصل: التضمير. وهو تحريف.
[28573]:إعراب القرآن للنحاس 2/212، بتصرف يسير، وينظر: المحرر الوجيز 3/27.
[28574]:إعراب القرآن للنحاس 2/212، والمحرر الوجيز 3/27، والتبيان 2/641، وتفسير القرطبي 8/79، والبحر المحيط 5/38.
[28575]:الرشوة، بكسر الراء وضمها، والجمع: رِشا بكسر الراء وضمها.
[28576]:الفقرة جميعها مستخلصة من جامع البيان 14/216، 217.
[28577]:في المخطوطتين: الكنوز، وأثبت ما في جامع البيان الذي نقل عنه مكي.
[28581]:زيادة من "ر"، وجامع البيان.
[28582]:جامع البيان 14/217، وهو الاختيار فيه، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1788، وفيه: "ابن عمير". وهو تحريف، وزاد المسير 3/429، وعقبه: "وإلى هذا المعنى ذهب الجمهور. فعلى هذا، معنى الإنفاق: إخراج الزكاة"، والدر المنثور 4/177، وينظر تفسير ابن كثير 2/350.
[28583]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/273، وجامع البيان 19/219، وعنه نقل مكي، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1788، والدر المنثور 4/179، كلها من غير قوله: "أديت زكاته...".
[28585]:جامع البيان 14/224، 225، بتصرف في ألفاظه.
[28586]:الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 314، بلفظ: "فروي عن عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك أنهما قالا: هي منسوخة بقوله:..." وتفسير ابن أبي حاتم 6/1789، وأحكام ابن العربي 2/930، والمحرر الوجيز 2/28، ونواسخ القرآن لابن الجوزي 364، والبحر المحيط 5/38، وتفسير ابن كثير 2/350، والدر المنثور 4/179.
وقال هبة الله بن سلامة في ناسخه 69: هي منسوخة بالزكاة المفروضة.
[28587]:وهو في جامع البيان 14/225، بلفظ: "...الكنز في كلام العرب: كل شيء مجموع بعضه على بعض، في بطن الأرض كان أو على ظهرها. وكذلك تقول العرب للبدن المجتمع: "مكتنز" لانضمام بعضه إلى بعض".
وفي المحرر الوجيز 3/27 "....وليس من شروط الكنز الدفن، لكن كثر في حفظة المال أن يدفنوه حتى تورق في المدفون اسم الكنز...".
وفي تفسير القرطبي 8/79: "...ولا يختص ذلك بالذهب والفضة، ألا ترى قوله عليه السلام: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة. وخص الذهب والفضة بالذكر، لأنه مما لا يطلع عليه. وسمي الذهب ذهبا، لأنه يذهب والفضة، لأنها تنفض فتتفرق...".
[28588]:في الأصل: ولا ينفقوها، وهو تحريف.
[28589]:مشكل إعراب القرآن 1/328، بلفظ: و"الهاء..." تعود على "الكنوز"، ودل عليه قوله تعالى: {يكنزون}، ومعاني القرآن للفراء 1/434، وجامع البيان 14/228، وفيه: "كأنه قيل: والذين يكنزون الكنوز ولا ينفقونها في سبيل الله؛ لأن الذهب والفضة هي "الكنوز" في هذا الموضع"، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/445، بلفظ:...، لأن المعنى: يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون المكنوز في سبيل الله"، وإعراب القرآن للنحاس 2/212.
[28590]:مشكل إعراب القرآن 1/328، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/445، وإعراب القرآن للنحاس 2/212، والمحرر الوجيز 2/28، وتفسير القرطبي 8/81، والبحر المحيط 5/39.
[28591]:مشكل إعراب القرآن 1/328، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/445، وإعراب القرآن للنحاس 2/212، والمحرر الوجيز 3/28، وتفسير القرطبي 8/81، وفيه: "قال ابن الأنباري: قصد الأغلب والأعم وهي الفضة، ومثله قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها}[البقرة: آية 44]، رد الكناية إلى "الصلاة"؛ أنها أعم، ومثله: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}، [الجمعة آية 11]، فأعاد "الهاء" إلى التجارة؛ أنها الأهم، وترك اللهو...".
[28594]:قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه، جامع البيان 14/228، "وهو: عمرو بن امرئ القيس، من بني الحارث بن الخزرج، جد عبد الله بن رواحة، جاهلي قديم".
[28596]:وتمام عجزه: والرأي مختلف.
وهو غير منسوب في جامع البيان 14/228، 229، وفيه تخريجه، وأمالي ابن الشجري 2/20، وفيه تخريجه، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/445، بدون نسبة، وإعراب القرآن للنحاس 2/212، وفيه: "وأنشد سيبويه"، والمحرر الوجيز 3/28، بدون نسبة، وزاد المسير 3/429، بدون نسبة، وتفسير القرطبي 8/81، 82، بدون نسبة، وفتح القدير 2/406، بدون نسبة، وينظر: معجم شواهد العربية 1/239.
قال الزجاج، المصدر السابق: "يريد: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض، فحذف "رضوان"، فكذلك يكون المعنى: والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل الله، والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله".
[28599]:زيادة من "ر". وتفسير القرطبي.
[28600]:مشكل إعراب القرآن 1/328، بلفظ: "وقيل: تعود على "الذهب"، لأنه يذكر ويؤنث"، وإعراب القرآن للنحاس 2/212، مختصرا، وتفسير القرطبي 8/81.
ولمزيد بيان: انظر مجاز القرآن 1/257، ومعاني القرآن للفراء 1/434، وتأويل مشكل القرآن 288، والمحرر الوجيز 3/28، وتفسير القرطبي 8/81، والبحر المحيط 5/39.
[28601]:انظر: الآثار الواردة في ذلك في جامع البيان 14/227، 228، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1789، وتفسير ابن كثير 2/352.
وهناك كلام مستفيض في تفسير الآية في أحكام ابن العربي 2/928-934، وتفسير القرطبي 8/78-82، وضمنه فوائد جمة.