الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا} (51)

قوله : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ } : أي : إبليسَ وذريتَه ، أو ما أشهدْتُ الملائكةَ فكيف تعبدونهم ؟ أو ما أشهدْتُ الكفارَ فكيف تَنْسُبون إليَّ ما لا يليق بجلالي ؟ أو ما أشهدْتُ جميعَ الخَلْقِ .

وقرأ أبو جعفر وشيبةُ والسختياني في آخرين : " أشهَدْناهم " على التعظيم .

قوله : { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ } وُضع الظاهرُ موضعَ المضمر ؛ إذ المراد بالمُضِلِّين مَنْ نفى عنهم إشهادَ خَلْقِ السماواتِ ، وإنما نبَّه بذلك على وَصْفِهم القبيحِ .

وقرأ العامَّةُ " كُنْتُ " بضمِّ التاء إخباراً عنه تعالى . وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر بفتحها خطاباً لنبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه { مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ } نوَّن اسمَ الفاعلِ ونَصَبَ به ، إذ المرادُ به الحالُ أو الاستقبالُ .

وقرأ عيسى " عَضْداً " بفتح العين وسكون الضاد ، وهو تخفيفٌ شائعٌ كقولِ تميم : سَبْع ورَجْل في : سَبْع ورَجْل . وقرأ الحسن " عُضْداً " بالضم والسكون : وذلك أنه نَقَل حركةَ الضادِ إلى العينِ بعد سَلْبِ العينِ حركتَها . وعنه أيضاً " عَضَداً " بفتحتين و " عُضُداً " بضمتين . والضحاك " عِضَداً " بكسر العين وفتحِ الضاد . وهذه لغاتٌ في هذا الحرفِ .

والعَضُدُ من الإِنسانِ وغيرِه معروفٌ . ويُعَبَّر به عن العونِ والنصير فيقال : فلان عَضُدي . ومنه { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [ القصص : 35 ] أي : سنُقَوِّي نُصْرَتَك ومعونَتك .