السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا} (51)

واختلفوا في عود الضمير في قوله تعالى : { ما أشهدتهم } على وجوه ؛ أحدها وهو الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى ما أشهدت الذين اتخذوهم أولياء { خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } أي : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله تعالى : { اقتلوا أنفسكم } [ النساء ، 66 ] نفى إحضار إبليس وذريته خلق السماوات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله تعالى : { وما كنت متخذ المضلين } أي : الذين يضلون الناس ووضع الظاهر موضع المضمر إظهاراً لإضلالهم وذمّاً لهم { عضداً } أي : أعواناً ، وثانيها قال الرازي : وهو الأقوى عندي إن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء من عندك فلا تؤمن بك فكأنه تعالى قال : إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة بل هم قوم كسائر الخلق فلم أقدموا على الاقتراح الفاسد قال : والذي يؤكد هذا أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات فالأقرب في هذه الآية هو أولئك الكفار وهو قوله تعالى : { بئس للظالمين بدلاً } والمراد بالظالمين أولئك الكفار ، وثالثها أن يكون المراد من قوله : { ما أشهدتهم } إلى آخره دون هؤلاء الكفار جاهلين بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة والشقاوة فكأنه قيل لهم السعيد من حكم اللّه بسعادته والشقي من حكم اللّه بشقاوته في الأزل وأنتم غافلون عن أحوال الأزل فإنه تعالى قال : { ما أشهدتهم } إلى آخره وإذا جهلتم هذه الحالة فكيف يمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة والعلوّ والكمال ولغيركم بالذل والدناءة بل ربما صار الأمر في الدنيا والآخرة على العكس مما حكمتم به .