التبرج ، قال الليث : تبرجت : أبدت محاسنها من وجهها وجسدها ، ويرى مع ذلك من عينها حسن نظر . وقال أبو عبيدة : تخرج محاسنها مما تستدعي به شهوة الرجال ، وأصله من البرج في عينه وفي أسنانه ، برج : أي سعة .
وقرأ الجمهور : وقِرن ، بكسر القاف ، من وقر يقر إذا سكن وأصله ، أوقرن ، مثل عدن من وعد .
وذكر أبو الفتح الهمداني ، في كتاب التبيان ، وجهاً آخر قال : قار يقار ، إذا اجتمع ، ومنه القارة لاجتماعها .
ألا ترى إلى قول عضل والديش : اجتمعوا فكونوا قارة ؟ فالمعنى : اجمعن أنفسكن في بيوتكن .
{ وقرن } : أمر من قار ، كما تقول : خفن من خاف ؛ أو من القرار ، تقول : قررت بالمكان ، وأصله : واقررت ، حذفت الراء الثانية تخفيفاً ، كما حذفوا لام ظللت ، ثم نقلت حركتها إلى القاف فذهبت ألف الوصل .
وقال أبو علي : أبدلت الراء ونقلت حركتها إلى القاف ، ثم حذفت الياء لسكوتها وسكون الراء بعدها .
انتهى ، وهذا غاية في التحميل كعادته .
وقرأ عاصم ونافع : بفتح القاف ، وهي لغة العرب ؛ يقولون : قررت بالمكان ، بكسر الراء وبفتح القاف ، حكاه أبو عبيد والزجاج وغيرهما ، وأنكرها قوم ، منهم المازني ، وقالوا : بكسر الراء ، من قرت العين ، وبفتحها من القرار .
وقرأ ابن أبي عبلة : واقررن ، بألف الوصل وكسر الراء الأولى .
وتقدم لنا الكلام على قررت ، وأنه بالفتح والكسر من القرار ومن القرة .
أمرهن تعالى بملازمة بيوتهن ، ونهاهن عن التبرج ، وأعلم تعالى أنه فعل الجاهلية الأولى ، وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية بكت حتى تبل خمارها ، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان .
وقيل لسودة : لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل إخوانك ؟ فقالت : قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي ، فما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها .
{ ولا تبرجن } ، قال مجاهد وقتادة : التبرج : التبختر والتغنج والتكسر .
وقال مقاتل : تلقي الخمار على وجهها ولا تشده .
وقال المبرد : تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره .
و { الجاهلية الأولى } : يدل على أن ثم جاهلية متقدمة وأخرى متأخرة .
فقيل : هما ابنان لآدم ، سكن أحدهما الجبل ، فذكور أولاده صباح وإناثهم قباح ؛ والآخر السهل ، وأولاده على عكس ذلك .
فسوى لهم إبليس عيداً يجتمع جميعهم فيه ، فمال ذكور الجبل إلى إناث السهل وبالعكس ، فكثرت الفاحشة ، فهو تبرج الجاهلية الأولى .
وقال عكرمة والحكم بن عيينة : ما بين آدم ونوح ، وهي ثمانمائة سنة ، كان الرجال صباحاً والنساء قباحاً ، فكانت المرأة تدعو الرجل إلى نفسها .
وقال ابن عباس أيضاً : الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح ، كانت ألف سنة ، تجمع المرآة بين زوج وعشيق .
وقال الكلبي وغيره : ما بين نوح وإبراهيم .
قال مقاتل : زمن نمروذ ، بغايا يلبسن أرق الدروع ويمشين في الطرق .
وقال الزمخشري : والجاهلية الأولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء ، وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم .
كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ ، فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال .
وقال أبو العالية : من داود وسليمان ، كان للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين ، يظهر منه الأكعاب والسوأتان .
وقال المبرد : كانت المرأة تجمع بين زوجها وحلمها ، للزوج نصفها الأسفل ، وللحلم نصفها ، يتمتع به في التقبيل والترشف .
وقال الشعبي : ما بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام .
وقال مقاتل : الأولى زمن إبراهيم ، والثانية زمن محمد عليه الصلاة والسلام ، قبل أن يبعث .
وقال الزجاج : الأشبه قول الشعبي ، لأنهم هم الجاهلية المعروفون ، كانوا يتخذون البغايا .
وإنما قيل الأولى ، لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى ، وتأويله أنهم تقدموا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم أولى ، وهم أول من أمة محمد ، عليه الصلاة والسلام .
وقال عمر لابن عباس : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة ؟ فقال ابن عباس : وهل كانت الأولى إلا ولها آخرة ؟ فقال عمر : لله درك يا ابن عباس .
وقال الزمخشري : والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام .
ويجوز أن يكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام ، فكان المعنى : ولا يجدكن بالتبرج جاهلية في الإسلام يتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر .
ويعضده ما روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لأبي الدرداء : «إن فيك جاهلية » ، قال : جاهلية كفر أم إسلام ؟ فقال : «بل جاهلية كفر » " انتهى .
والمعروف في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام إنما قال : " إنك امرؤ فيك جاهلية " ، لأبي ذر ، رضي الله عنه .
وقال ابن عطية : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي خصها ، فأمرن بالنقلة من سيرتهن فيها ، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر ، ولأنهم كانوا لا غيرة عندهم ، وكان أمر النساء دون حجبة ، وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام ، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى .
وقد مر إطلاق اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام ، فقالوا : جاهلي في الشعراء .
وقال ابن عباس في البخاري : سمعت ، أي في الجاهلية إلى غير هذا . انتهى .
{ وأقمن الصلاة } : أمرهن أمراً خاصاً بالصلاة والزكاة ، إذ هما عمودا الطاعة البدنية والمالية ، ثم جاء بهما في عموم الأمر بالطاعة ، ثم بين أن نهيهن وأمرهن ووعظهن إنما هو لإذهاب المأثم عنهن وتصونهن بالتقوى .
واستعار الرجس للذنوب ، والطهر للتقوى ، لأن عرض المقترف للمعاصي يتدنس بها ويتلوث ، كما يتلوث بدنه بالأرجاس .
وأما الطاعات ، فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة تنفير عما نهى الله عنه ، وترغيب فيما أمر به .
والرجس يقع على الإثم ، وعلى العذاب ، وعلى النجاسة ، وعلى النقائص ، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت .
وقال الحسن : الرجس هنا : الشرك .
وقال الزجاج : الفسق ؛ وقيل : المعاصي كلها ، ذكره الماوردي .
وقيل : الشك ؛ وقيل : البخل والطبع ؛ وقيل : الأهواء والبدع .
وانتصب أهل على النداء ، أو على المدح ، أو على الاختصاص ، وهو قليل في المخاطب ، ومنه :
وأكثر ما يكون في المتكلم ، وقوله :
نحن بنات طارق *** نمشي على النمارق
ولما كان أهل البيت يشملهن وآباءهن ، غلب المذكر على المؤنث في الخطاب في : { عنكم } ، { ويطهركم } .
وقول عكرمة ، ومقاتل ، وابن السائب : أن أهل البيت في هذه الآية مختص بزوجاته عليه السلام ليس بجيد ، إذ لو كان كما قالوا ، لكان التركيب : عنكن ويطهركن ، وإن كان هذا القول مروياً عن ابن عباس ، فلعله لا يصح عنه .
وقال أبو سعيد الخدري : هو خاص برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين .
وروي نحوه عن أنس وعائشة وأم سلمة .
وقال الضحاك : هم أهله وأزواجه .
وقال زيد بن أرقم ، والثعلبي : بنو هاشم الذين يحرمون الصدقة آل عباس ، وآل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، ويظهر أنهم زوجاته وأهله ، فلا تخرج الزوجات عن أهل البيت ، بل يظهر أنهن أحق بهذا الاسم لملازمتهن بيته ، عليه الصلاة والسلام .
وقال ابن عطية : والذي يظهر أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك ألبتة ، فأهل البيت : زوجاته وبنته وبنوها وزوجها .
وقال الزمخشري : وفي هذا دليل على أن نساء النبي من أهل بيته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.