الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

وقوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن } ابتداءُ وَصْفِ قِصَّةِ الجِنِّ ووفادتهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلفت الرُّوَاةُ هِنَا : هَلْ هذا الجِنُّ هُمُ الوَفْدُ أوِ المُتَجَسِّسُونَ ؟ واختلفتِ الرواياتُ أيضاً عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وغيرهِ في هذا الباب .

والتحرير في هذا أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءه نَفَرٌ من الجِنِّ دون أَنْ يَشْعُرَ بهم ، وهم المتجسِّسون المتفرِّقون من أَجْلِ رَجْمِ الشُّهُبِ الذي حَلَّ بِهِمْ ، وهؤلاءِ هُمُ المرادُ بقوله تعالى : { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ } [ الجن : 1 ] ثم بعد ذلك وفد عليه وَفْدُهُمْ ؛ حَسْبَمَا وَرَدَ في ذلك من الآثار .

وقوله : { نَفَراً } يقتضي أَنَّ المصروفين كانوا رجالاً لا أنثى فيهم ، والنَّفَرُ والرَّهْطُ هم : القوم الذين لا أنثى فيهم .

وقوله تعالى : { فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ } فيه تَأَدُّبٌ مع العلم ، وتعليم كيف يُتَعَلَّمُ { فَلَمَّا قُضِىَ } أي : فرغ من تلاوة القرآنِ واستماع الجن ، قال جابر بن عبد اللَّه وغيرُه : إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَرَأَ عليهم سورة «الرحمن » فكان إذَا قال : { فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] قالوا : لا بشَيْءٍ مِنْ آلائك نُكَذِّبُ ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ ، ولَمَّا وَلَّتْ هذه الجملةُ تفرَّقَتْ على البلاد مُنْذِرَةً لِلْجِنِّ ، وقولهم : { إِنَّا سَمِعْنَا كتابا } .