غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

21

وحين بّين أن الإنس من آمن وفيهم من كفر ، أراد أن يبين أن نوع الجن أيضاً كذلك . وفي كيفية الواقعة قولان : أحدهما عن سعيد بن جبير وعليه الجمهور : كانت الجن تسترق فلما رجموا قالوا : هذا إنما حدث في السماء لشيء حدث في الأرض . فذهبوا يطلبون السبب فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يصلي بأصحابه أو منفرداً . فمنهم من قال صلاة العشاء الآخرة ومنهم من قال صلاة الصبح ، فقرأ فيها سورة " اقرأ " فسمعوا القرآن وعرفوا أن ذلك هو السبب . وعلى هذا لم يكن ذلك بعلم منه صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه . والقول الثاني " أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فقال لأصحابه : إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجن فأيكم يتبعني ؟ فأتبعه ابن مسعود ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعب الحجون وخط على ابن مسعود وقال : لا تبرح حتى آتيك . قال : فسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم علا بالقرآن أصواتهم . فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن اللغط فقال : اختصموا إليّ في قتيل كان بينهم فقضيت فيهم .

وفي رواية أخرى عن ابن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمعك ماء ؟ قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر . فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ فقال : تمرة طيبة وماء طهور . واختلفوا في عددهم : عن ابن عباس : كانوا تسعة من جن نصيبين أو نينوى . وقال عكرمة : كانوا عشرة من جزيرة الموصل ، وزر بن حبيش : كانوا تسعة ومنهم زوبعة . وقيل : اثني عشر ألفاً . ولنرجع إلى التفسير . قوله { وإذ صرفنا } معطوف على قوله { أذكر أخا عاد إذ أنذر } ومعنى صرفنا أملناهم إليك ، والنفر ما دون العشرة ويجمع على أنفار . والضمير في { حضروه } للنبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن { قالوا } أي قال بعضهم لبعض { أنصتوا } والإنصات السكوت لاستماع الكلام { فلما قضى } أي فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القراءة .

/خ35