السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

{ وإذ } أي : واذكر إذ { صرفنا } أي : أملنا { إليك نفراً } وهو اسم يطلق على ما دون العشرة وسيأتي في ذلك خلاف { من الجنّ } أي جنّ نصيبين اليمن ، أو جنّ نينوى { يستمعون القرآن } أي : يطلبون سماع الذكر الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس ، وأنت في صلاة الفجر في نخلة ، تصلي بأصحابك { فلما حضروه } أي : صاروا بحيث يستمعونه { قالوا } أي : قال بعضهم لبعض ، ورضي الآخرون { أنصتوا } أي : اسكتوا ، وميلوا بكلياتكم ، واستمعوا . حفظاً للأدب على بساط الخدمة وفيه تأدب مع العلم في تعلمه . قال القشيري : فأهْل الحضور صفتهم الذبول والسكون والهيبة والوقار .

تنبيه : ذكروا في كيفية هذه الواقعة قولين : أحدهما «قال سعيد بن جبير : كان الجنّ تستمع فلما رجموا قالوا هذا الذي حدث في السماء إنما حدث لشيء في الأرض فذهبوا يطلبون السبب ، وكان قد اتفق أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أيس من أهل مكة أن يجيبوه ، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام فلما انصرف إلى مكة وكان ببطن نخلة قام يقرأ القرآن ، فمرّ به نفر من أشرار جنّ نصيبين ، كان إبليس بعثهم ليعرف السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم ، فسمعوا القرآن فعرفوا أن ذلك هو السبب » . والقول الثاني أنّ الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله تعالى إليه نفراً من الجنّ يستمعون منه القرآن وينذرون قومهم روي أن الجنّ كانوا يهوداً لأنّ في الجنّ مللاً كما في الإنس من اليهود والنصارى ، وعبدة الأوثان ، والمجوس وأطبق المحققون على أنّ الجن مكلفون سئل ابن عباس هل للجنّ ثواب قال نعم لهم ثواب وعليهم عقاب يلبثون في أبواب الجنة ويزدحمون على أبوابها . «وروى الطبراني عن ابن عباس أن أولئك الجنّ كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم » . «وعن زرّ ابن حبيش كانوا تسعة ، أحدهم زوبعة » «وعن قتادة ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى » وروي في الحديث : «أنّ الجنّ ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون » واختلفت الروايات هل كان عبد الله بن مسعود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ أو لا ؟ وروي عن أنس قال كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بظاهر المدينة ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عكازة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها لمشية جني ، ثم أتى فسلم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم إنها لنغمة جنيّ فقال الشّيخ : أجل يا رسول الله . فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : من أيّ الجنّ أنت ؟ فقال يا رسول الله ، أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : لا أرى بينك وبين إبليس إلا أبوين . قال : أجل يا رسول الله ، قال : كم أتى عليك من العمر ؟ قال : أكلت عمر الدنيا إلا القليل ، كنت حين قُتل هابيل غلاماً ابن أعوام ، فكنت أتشرف على الآكام ، وأصطاد الهام ، وأورّش بين الأنام . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم بئس العمل . فقال : يا رسول الله ، دعني من العتب فإني ممن آمن مع نوح عليه السلام وعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني ، وقال : والله إني لمن النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ولقيت هوداً فعاتبته في دعوته فبكى وأبكاني ، وقال والله إني لمن النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ولقيت إبراهيم ، وآمنت به ، وكنت بينه وبين الأرض إذ رمي به في المنجنيق ، وكنت معه في النار إذ ألقي فيها وكنت مع يوسف إذ ألقي في الجب ، فسبقته إلى قعره . ولقيت موسى بن عمران بالمكان الأثير . وكنت مع عيسى ابن مريم عليهما السلام . فقال لي : إن لقيت محمداً فاقرأ عليه السلام . قال أنس : فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : وعليه السلام وعليك يا هام ما حاجتك ؟ قال : إنّ موسى علمني التوراة ، وإنّ عيسى علمني الإنجيل ، فعلّمني القرآن قال أنس : فعلمه النبيّ صلى الله عليه وسلم سورة الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كوّرت وقل يا أيها الكافرون وسورة الإخلاص والمعوّذتين . { فلما قضي } أي : فرغ من قراءته { ولّوا } أي : رجعوا { إلى قومهم } الذين فيهم قوة القيام بما يحاولونه { منذرين } أي مخوفين لهم ومحذرين عواقب الضلال بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم .