الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

ثم قال : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } .

أي : واذكر يا محمد إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ، وصرفه إياهم هو الرجم الذي حل بهم{[63181]} بالشهبن السماء عند الاستماع على عادتهم ، فلما رجموا بالشهب ومنعوا مما لم يكونوا منه قالوا : إن هذا الحادث ( حدث في السماء{[63182]} لشيء )حدث في الأرض ، فذهبوا يطلبون ذلك الحادث في الأرض حتى رأوا{[63183]} النبي صلى الله عليه وسلم{[63184]} خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحاب الفجر ، فسمعوا قراءته وذهبوا إلى أصحابهم منذرين ، وهذا قول ابن جبير{[63185]} .

قال ابن عباس : لم تكن السماء تحرس{[63186]} في الفترة بين عيسى ومحمد عليه السلام{[63187]} ، وكانت/الجن تقعد من السماء مقاعد للسمع فلما بعث الله نبيه عليه السلام حرصت السماء حرصا شديدا ، فرجمت{[63188]} الشياطين فأنكروا ذلك ، وقالوا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا{[63189]} .

فقال إبليس{[63190]} اللعين : لقد حدث في الأرض حدث فاجتمع إليه الجن ، فقال : تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء ، وكان أول بعث بعثه ركبا من أهل نصيبين{[63191]} وهم أشراف الجن وسادتهم ، فبعثهم الله إلى تهامة{[63192]} فاندفعوا حتى بلغوا{[63193]} وادي نخلة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة{[63194]} ببطن نخلة فاستمعوه فلما سمعوه يتلو القرآن قالوا : أنصتوا ، ولم يكن النبي عليه السلام{[63195]} يعلم بهم ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، قال ابن عباس : وكانوا سبعة من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63196]} رسلا إلى قومهم{[63197]} .

وقال ( زر بن حبيش{[63198]} ){[63199]} : كانوا تسعة ، قال ابن عباس : لم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63200]} .

وقال الحسن : لما أتوا ليستمعوا أعلم الله نبيه عليه السلام{[63201]} بمكانهم{[63202]} .

وقال قتادة : بل{[63203]} أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63204]} أن يقرأ عليهم ، وروى عنه أنه قال لأصحابه : أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني فأطرقوا ، ثم قالها ثانية وثالثة فأطرقوا فاتبعه ابن مسعود ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب ( الحجون ){[63205]} ثم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63206]} ( على عبد الله خطا ){[63207]} . قال عبد الله : فجعلت الجن تهوي وأرى أمثال النسور تمشي ، وسمعت لغطا{[63208]} شديدا حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63209]} ، ثم تلا القرآن ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63210]} قلت : يا نبي الله ما اللغط{[63211]} الذي سمعت ؟ قال : اجتمعوا إلي في قتيل كان بينهم فقضى [ فيه ]{[63212]} بالحق{[63213]} .

" وروى جابر بن عبد الله{[63214]} وابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم سورة الرحمن فكلما قرأ النبي : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قالت الجن : لا بشيء{[63215]} من آلاء نعمائك نكذب{[63216]} ربنا فلك الحمد " {[63217]} . ولما قدم ابن مسعود الكوفة رأى شيوخا شمطا{[63218]} من الزط فراعوه{[63219]} فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : هم نفر من الأعاجم ، فقال : ما رأيت للذين قرأ عليهم نبي الله{[63220]} من الجن شبها أدنى من هؤلاء{[63221]} . وروى معمر{[63222]} أن النبي صلى الله عليه وسلم{[63223]} خط على ابن مسعود خطا ثم قال له : لا تخرج منه ، ثم ذهب إلى الجن فقرأ عليهم القرآن ثم رجع{[63224]} إلى ابن مسعود فقال له : هل رأيت شيئا ؟ قال : سمعت لغطا{[63225]} شديدا . قال : إن الجن تدارت{[63226]} في قتيل قتل{[63227]} بينهما فقضى فيه بالحق{[63228]} .

وسألوه الزاد ، فقال : كل عظم لكم غداء{[63229]} ، وكل روثة{[63230]} لكم خضرة ، فقالوا يا رسول الله يقدرها الناس علينا{[63231]} ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63232]} أن يستنجي{[63233]} بأحدهما . وقد كثر الاختلاف في حديث ابن مسعود ، وكثير من العلماء روى أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة أحد ، وروى ذلك عن ابن مسعود قال : ما شهدها منا أحد ، وعنه ما شهدها أحد غيري{[63234]} ، وكانت قراءته عليهم بالحجون{[63235]} وقيل بنخلة ، وأكثر المفسرين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{[63236]} أرسلهم إلى قومهم لينذروهم عذاب الله ، ومنهم من قال : بل مضوا من غير{[63237]} أمره وما علم عليهم{[63238]} إلا بعد ذلك .


[63181]:ع: "الذي حل عليهم".
[63182]:ساقط من ع.
[63183]:ع: "روا:.
[63184]:ع : "عليه السلام".
[63185]:انظر: جامع البيان 26/19.
[63186]:ع: "تحرص".
[63187]:ح: "صلى الله عليه وسلم".
[63188]:ع: "ورجمت".
[63189]:انظر: جامع البيان 26/20، وأصل ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى من سورة الجن: آية 10 {وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد ربهم رشدا}.
[63190]:ساقط من ع.
[63191]:نصيبين: مدينة في ديار ربيعة العظمى، وهي من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات، وهي قديمة عظيمة كثيرة الأنهار والجنات والبساتين افتتحها غياض الفهري في خلافة عمر رضي الله عنه سنة ثمان عشرة – وكانت مدينة رومية، فلما افتتحها غياض أسكنها المسلمين وهي كبيرة – ويمتد أمامها وخلفها بسيط أخضر مد البصر أجرى الله تعالى فيه – مذانب من الماء تسقيه وتطرد في نواحيه، وتحف بها عن يمين وشمال بساتين ملتفة الأشجار يانعة الثمار. انظر: الروض المعطار 577، ومعجم البلدان 5/288.
[63192]:أرض تهامة قطعة من اليمن، وهي جبال مشتبكة أولها في البحر القلزمي ومشرفة عليه. وحدودها في غربها بحر القلزم وفي شرقها جبال ممتدة من الجنوب إلى الشمال، وفي شمالها مكة وجده، وفي جنوبها صنعاء نحو عشرين مرحلة. انظر: الروض المعطار للحميري 141.
[63193]:ح: "أبلعوا".
[63194]:ح: "الغدات".
[63195]:ساقط من ع.
[63196]:ساقط من ع.
[63197]:انظر : جامع البيان 26/20، وزاد المسير 7/389، وتفسير القرطبي 16/213، ولباب النقول 197.
[63198]:ع: "زيد بن حبش": وهو تحريف.
[63199]:زر بن حبش بن حباشة بن أوس الأسدي، تابعي من جلتهم، أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم كان عالما بالقرآن وفاضلا وكان ابن مسعود يسأله عن العربية، وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وأبي ذر والعباس وعبد الرحمن بن عوف، وعنه إبراهيم النخعي وعاصم بن أبي النجود وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم، توفي 83 هـ. انظر: حلية الأولياء 4/181، والإصابة 1/577، والأعلام 3/43.
[63200]:انظر: جامع البيان 26/20، وتفسير القرطبي 16/213.
[63201]:ساقط من ع.
[63202]:انظر: جامع البيان 26/20.
[63203]:ساقط من ع.
[63204]:ساقط من ع.
[63205]:ع: "الحجوز" وح "الحجور": وكلاهما تحريف.
[63206]:ساقط من ع.
[63207]:ساقط من ع.
[63208]:ع: "لفظا": وهو تحريف.
[63209]:ساقط من ع.
[63210]:ع: "نبي الله".
[63211]:ع : "اللفظ": وهو تحريف.
[63212]:ساقط من ح.
[63213]:انظر: جامع البيان 26/20، وزاد المسير 7/388، وتفسير القرطبي 16/212، وتفسير الخازن 6/167، ومعالم التنزيل 26/169.
[63214]:ساقط من ع.
[63215]:ع: "لا شيء".
[63216]:ح: "تكذب وهو تصحيف.
[63217]:أخرجه الترمذي في جامعه، باب: تفسير سورة الر حمن عن جابر 5/73 رقم (334).
[63218]:الشمط: الشيب: والشمطات: الشعرات البيض التي تكون في شعر الرأس. انظر: الصحاح مادة "شمط" 3/1138، واللسان 2/359، والتاج 5/170 والزط: جيل من الناس، الواحد زطي مثل الزنج وزنجي والروم ورومي. انظر: الصحاح 3/1169، واللسان 2/23، والتاج 5/146.
[63219]:ع : "فداعوه".
[63220]:ع : "فقالوا".
[63221]:ع: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[63222]:انظر: جامع البيان 28/21.
[63223]:هو معمر بن راشد، الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. انظر: تقريب التهذيب 2/226، والرسالة المستطرفة 41.
[63224]:ع: "عليه السلام".
[63225]:ع: "ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم".
[63226]:ع: "لغطا": وهو تصحيف.
[63227]:ساقط من ع.
[63228]:انظر : "جامع البيان" 26/21.
[63229]:ع: "عروا": وهو تحريف.
[63230]:ح : "روثت" وهو تحريف.
[63231]:ساقط من ع.
[63232]:ساقط من ع.
[63233]:ح: "يستنجا" وهو خطأ.
[63234]:انظر: جامع البيان 26/21.
[63235]:ح: "بالحجور".
[63236]:ساقط من ع.
[63237]:ع: "بغير".
[63238]:ع: "بهم".