فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

{ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } .

{ صرفنا } أمَلْنا ووجّهنا .

{ نفرا } جماعة من الثلاثة إلى العشرة ، وقد يطلق على الجماعة ولو وصل عددهم إلى الأربعين .

بعد أن سلّى الله تعالى نبيه محمدا- صلى الله عليه وسلم – بما جرى لإخوانه المرسلين من قبله ، من تكذيب قومهم لهم ، وجحودهم الحق الذي جاءهم ، وكيف أهلك المهيمنُ الجبار الجاحدين ودمّر دورهم ، سرّى عن خاتم النبيين بأن الجن-على بأسهم- سيقوا إلى المبعوث إلى الخلق كافة ليتعلموا مما أنزل الله عليه .

مما روى مسلم في صحيحه بسنده عن عامر قال : سألت علقمة : هل كان ابن مسعود-رضي الله عنه- شهد مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم ليلة الجن{[4640]} ؟ قال ؛ فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود رضي الله عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : لا ، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب ، فقيل : استطير ؟ اغتيل ؟ قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قِبَل حراء . قال : فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ؛ فقال : ( أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن ) .

{ فلما حضروه قالوا أنصتوا } .

فحين رتّلت تواصوا بالإصغاء وقال بعضهم لبعض { أنصتوا } وفي هذا توجيه إلى السكوت وحسن الاستماع في مجالس تلاوة القرآن .

{ فلما قضي ولّوا إلى قومهم منذرين( 29 ) } .

( . . . فلما أتم النبي قراءته أسرعوا{[4641]} راجعين إلى قومهم من الجن ليعلموهم ويحذروهم{[4642]} ما حذرهم منه القرآن الذي سمعوه ؛ وإلى هذا يستنفرنا الحق تبارك وتعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }{[4643]} .


[4640]:روى البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي وابن جرير وأبو نعيم أحاديث كثيرة في شأن استماع الجن إلى القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.
[4641]:يستفاد ذلك من العطف بالفاء، إذ العطف بها يفيد أن ما بعدها يأتي متصلا بما قبلها وعلى أثره، دون فصل أو تراخ. يقول ابن مالك في ألفيته: والفاء للترتيب باتصال.
[4642]:يقول ابن كثير: في الجن نذر، وليس فيهم رسل؛ إن الجن لم يبعث الله تعالى منهم رسولا، لقوله تعالى:{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى..}أهـ.
[4643]:سورة التوبة. من الآية 122.