نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ} (29)

ولما كان ما ذكر من البعد من الإيمان مع تصريف العظات والعبر والآيات يكاد أن يؤنس السامع من إيمان هؤلاء المدعوين{[59058]} ، قربه دلالة على عزته وحكمته بالتذكير بالإيمان {[59059]}من هم{[59060]} أعلى منهم عتواً وأشد نفرة وأبعد إجابة وأخفى شخصاً ، فقال جواباً عما وقع له صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه الشريفة على-{[59061]} القبائل وإبعادهم عنه لا سيما أهل الطائف ، دالاً على تمام القدرة بشارة للمنزل عليه-{[59062]} صلى الله عليه وسلم وتوبيخاً لما تأخر عن إجابته من قومه عاطفاً على ما تقديره : اذكر هذه الأخبار : { وإذ } أي واذكر حين { صرفنا إليك } أي وجهنا توجيهاً خالصاً حسناً متقناً فيه ميل إليك وإقبال{[59063]} عليك ، وإعراض عن غيرك ، بوادي نخلة عند انصرافك من الطائف حين عرضت نفسك الشريفة عليهم بعد موت النصيرين{[59064]} فردوك رداً تكاد تنشق منه المرائر ، وتسل من تذكاره النواظر .

ولما كان استعطاف من جبل على النفرة وإظهار من بني على الاجتنان أعظم في النعمة ، عبر بما يدل على ذلك فقال : { نفراً } وهو اسم يطلق على ما دون العشرة ، وهو المراد هنا ، ويطلق على الناس كلهم ، وحسن {[59065]}التعبير به{[59066]} أن هؤلاء لما خصوا بشرف السبق وحسن المتابعة كانوا كأنهم هم النفر لا غيرهم { من الجن } من أهل نصيبين من الناحية التي منها عداس الذي جبرناك{[59067]} به في{[59068]} الطائف بما شهد به لسيديه{[59069]} عتبة وشيبة ابني ربيعة أنك خير أهل الأرض مع أنه{[59070]} ليس لهؤلاء النفر من جبلاتهم إلا النفرة والاجتنان وهو الاختفاء والستر فجعلناهم{[59071]} ألفين لك ظاهرين عندك لتبلغهم ما أرسلناك{[59072]} به فإنا أرسلناك إلى جميع الخلائق ، وهذا جبر لك وبشارة بإيمان النافرين{[59073]} من الإنس كما أيدناك منهم بعد نفرة{[59074]} أهل الطائف بعداس ، ثم وصفهم بقوله : { يستمعون القرآن } أي يطلبون سماع الذكر الجامع لكل خير ، الفارق {[59075]}بين{[59076]} كل ملبس وأنت في صلاة الفجر في نخلة تصلي بأصحابك ، ودل على قرب زمن{[59077]} الصرف من زمن الحضور بتعبيره{[59078]} سبحانه بالفاء في قوله تعالى مفصلاً لحالهم : { فلما حضروه } أي صاروا بحيث يسمعونه { قالوا } أي قال بعضهم{[59079]} ورضي الآخرون{[59080]} : { أنصتوا } أي اسكتوا و-{[59081]} ميلوا بكلياتكم واستمعوا{[59082]} حفظاً للأدب على بساط الخدمة ، وفيه تأدب مع العلم{[59083]} في تعلمه و-{[59084]}أيضاً مع معلمه{[59085]} ، قال القشيري : فأهل الحضور صفتهم الذبول والسكون والهيبة والوقار ، والثوران والانزعاج يدل على غيبة أو قلة تيقظ{[59086]} ونقصان من الاطلاع ، ودل على أن ما {[59087]}استمعوه كان{[59088]} يسيراً وزمنه{[59089]} قصيراً ، وعلى تفصيل حالهم بعد انقضائه بالفاء في قوله تعالى : { فلما } أي فأنصتوا{[59090]} فحين { قضي } أي{[59091]} حصل الفراغ من قراءته الدالة على عظمته من أيّ قارئ كان { ولوا } أي أوقعوا التولية - أي القرب - بتوجيه الوجوه والهمم والعزائم { إلى قومهم } الذين فيهم قوة القيام بما يحاولونه ، ودل على حسن تقبلهم لما{[59092]} سمعوه ورسوخهم في اعتقاده بقوله تعالى : { منذرين * } أي مخوفين لهم ومحذرين عواقب الضلال بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن-{[59093]} عباس رضي الله عنهما : جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم .


[59058]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: المدعين.
[59059]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: منهم.
[59060]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: منهم.
[59061]:زيد من م ومد.
[59062]:زيد من م ومد.
[59063]:من ظ و م ومد، وفي الأصل إقبالا.
[59064]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التصوير.
[59065]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التعبيرية.
[59066]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التعبيرية.
[59067]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أخبرناك.
[59068]:من م ومد، وفي الأصل و ظ:من.
[59069]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لسديه-كذا-.
[59070]:من م ومد، وفي الأصل و ظ:أن.
[59071]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: فجعلنا.
[59072]:زيد في الأصل و ظ: إليهم، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59073]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: المسافرين.
[59074]:من مد و م، وفي الأصل و ظ: نضرة.
[59075]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لكل.
[59076]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لكل.
[59077]:زيد في الأصل و ظ: الفضل، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59078]:من مد، وفي الأصل و ظ: بتيسره، وفي م: فنيسره.
[59079]:زيد في الأصل: لبعض، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59080]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: آخرون.
[59081]:زيد من م ومد.
[59082]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: اسمعوا أي.
[59083]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: العلم.
[59084]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59085]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59086]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: تنعظ.
[59087]:من ظ و م وم ومد، وفي الأصل: سمعوه.
[59088]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: سمعوه.
[59089]:زيد في الأصل: كان، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59090]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فنتصتوا
[59091]:زيد في الأصل و ظ: حين، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59092]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:بما.
[59093]:زيد من ظ و م ومد.