ولما كان ما ذكر من البعد من الإيمان مع تصريف العظات والعبر والآيات يكاد أن يؤنس السامع من إيمان هؤلاء المدعوين{[59058]} ، قربه دلالة على عزته وحكمته بالتذكير بالإيمان {[59059]}من هم{[59060]} أعلى منهم عتواً وأشد نفرة وأبعد إجابة وأخفى شخصاً ، فقال جواباً عما وقع له صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه الشريفة على-{[59061]} القبائل وإبعادهم عنه لا سيما أهل الطائف ، دالاً على تمام القدرة بشارة للمنزل عليه-{[59062]} صلى الله عليه وسلم وتوبيخاً لما تأخر عن إجابته من قومه عاطفاً على ما تقديره : اذكر هذه الأخبار : { وإذ } أي واذكر حين { صرفنا إليك } أي وجهنا توجيهاً خالصاً حسناً متقناً فيه ميل إليك وإقبال{[59063]} عليك ، وإعراض عن غيرك ، بوادي نخلة عند انصرافك من الطائف حين عرضت نفسك الشريفة عليهم بعد موت النصيرين{[59064]} فردوك رداً تكاد تنشق منه المرائر ، وتسل من تذكاره النواظر .
ولما كان استعطاف من جبل على النفرة وإظهار من بني على الاجتنان أعظم في النعمة ، عبر بما يدل على ذلك فقال : { نفراً } وهو اسم يطلق على ما دون العشرة ، وهو المراد هنا ، ويطلق على الناس كلهم ، وحسن {[59065]}التعبير به{[59066]} أن هؤلاء لما خصوا بشرف السبق وحسن المتابعة كانوا كأنهم هم النفر لا غيرهم { من الجن } من أهل نصيبين من الناحية التي منها عداس الذي جبرناك{[59067]} به في{[59068]} الطائف بما شهد به لسيديه{[59069]} عتبة وشيبة ابني ربيعة أنك خير أهل الأرض مع أنه{[59070]} ليس لهؤلاء النفر من جبلاتهم إلا النفرة والاجتنان وهو الاختفاء والستر فجعلناهم{[59071]} ألفين لك ظاهرين عندك لتبلغهم ما أرسلناك{[59072]} به فإنا أرسلناك إلى جميع الخلائق ، وهذا جبر لك وبشارة بإيمان النافرين{[59073]} من الإنس كما أيدناك منهم بعد نفرة{[59074]} أهل الطائف بعداس ، ثم وصفهم بقوله : { يستمعون القرآن } أي يطلبون سماع الذكر الجامع لكل خير ، الفارق {[59075]}بين{[59076]} كل ملبس وأنت في صلاة الفجر في نخلة تصلي بأصحابك ، ودل على قرب زمن{[59077]} الصرف من زمن الحضور بتعبيره{[59078]} سبحانه بالفاء في قوله تعالى مفصلاً لحالهم : { فلما حضروه } أي صاروا بحيث يسمعونه { قالوا } أي قال بعضهم{[59079]} ورضي الآخرون{[59080]} : { أنصتوا } أي اسكتوا و-{[59081]} ميلوا بكلياتكم واستمعوا{[59082]} حفظاً للأدب على بساط الخدمة ، وفيه تأدب مع العلم{[59083]} في تعلمه و-{[59084]}أيضاً مع معلمه{[59085]} ، قال القشيري : فأهل الحضور صفتهم الذبول والسكون والهيبة والوقار ، والثوران والانزعاج يدل على غيبة أو قلة تيقظ{[59086]} ونقصان من الاطلاع ، ودل على أن ما {[59087]}استمعوه كان{[59088]} يسيراً وزمنه{[59089]} قصيراً ، وعلى تفصيل حالهم بعد انقضائه بالفاء في قوله تعالى : { فلما } أي فأنصتوا{[59090]} فحين { قضي } أي{[59091]} حصل الفراغ من قراءته الدالة على عظمته من أيّ قارئ كان { ولوا } أي أوقعوا التولية - أي القرب - بتوجيه الوجوه والهمم والعزائم { إلى قومهم } الذين فيهم قوة القيام بما يحاولونه ، ودل على حسن تقبلهم لما{[59092]} سمعوه ورسوخهم في اعتقاده بقوله تعالى : { منذرين * } أي مخوفين لهم ومحذرين عواقب الضلال بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن-{[59093]} عباس رضي الله عنهما : جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.