أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

شرح الكلمات :

{ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } : أي إذا نطقتم فوق صوت النبيّ إذا نطق .

{ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } : أي إذا ناجيتموه فلا تجهروا في محادثتكم معه كما تجهرون فيما بينكم إجلالا له صلى الله عليه وسلم وتوقيراً وتقديراً .

{ أن تحبط أعمالكم } : أي كراهة أن تبطل أعمالكم فلا تُثابون عليها .

{ وأنتم لا تشعرون } : بحبوطها وبطلانها . إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا سيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالاة فهو الكفر والعياذ بالله .

المعنى :

أما الآية الثانية ( 2 ) وهي قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } فإِنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلّم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا نهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه . وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذا هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفر وهم لا يشعرون . إِذْ رَفْعُ الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد أو يا نبيّ الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفراً محبطاً للعمل قطعا .

الهداية :

من الهداية :

- بما أن الله تعالى قد قبض إليه نبيّه ولم يبق بيننا رسول الله نتكلم معه أو نناجيه فنخفض أصواتنا عند ذلك فإِن علينا إذا ذكر رسول الله بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فا نضحك ولا نرفع الصوت ، ولا نظهر أي استخفاف أو عدم مبالاة وإلا يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

ولما ثبت إعظام{[60676]} الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يفتات عليه {[60677]}بأن يتأهب{[60678]} ما هو وظيفته من التقدم في الأمور وقطع المهمات ، فلا يكلم إلا جواباً أو سؤالاً في أمر ضروري لا يمكن تأخيره ، وكان من يكلمه لذلك ربما رفع صوته رفعاً الأولى به غيره مما هو دونه ، وكان من جملة أحواله أن يوحى إليه بالأمور العظيمة ، وكان رفع الصوت إذ ذاك من المشوشات في حسن التلقي للوحي مع ما فيه من قلة الاحترام والإخلاء بالإجلال والإعظام ، قال ذاكراً لثاني الأقسام ، وهو ما كان النظر فيه إلى مقامه صلى الله عليه وسلم بالقصد الأول ، مستنتجاً مما مضى من وصفه بالرسالة{[60679]} الدالة على النبوة ، آمراً بحفظ حرمته ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته بتبجيله{[60680]} وتفخيمه ، وإعزازه وتعظيمه ، مكرراً لندائهم بما ألزموا أنفسهم به من طاعته بتصديقه و{[60681]}استدعاء لتجديد{[60682]} الاستنصار وتطرية الندب إلى الإنصات وإشارة إلى أن المنادى له أمر يستحق أن يفرد بالنداء ويستقل{[60683]} بالتوصية{[60684]} : { يا أيها الذين آمنوا } مكرراً للتعبير بالأدنى من أسنان{[60685]} القلوب للتنبيه على أن فاعل مثل هذه المنهيات والمحتاج فيها إلى التنبيه بالنهي قد فعل من هذا حاله { لا ترفعوا أصواتكم } أي في شيء من الأشياء { فوق صوت النبي } أي الذي يتلقى عن الله ، وتلقيه{[60686]} عنه متوقع في كل وقت ، وهذا يدل على أن أذى{[60687]} العلماء الذين هيأهم الله لتلقي فهم دينه عنه شديد{[60688]} جداً ، فإن تكدير أوقاتهم يمنعهم عن كثير من ذلك .

ولما بين ما في ذلك لأجل النبوة ، بين ما ينبغي في نفسه من المزية فقال : { ولا تجهروا له بالقول } أي إذا كلمتموه سواء كان {[60689]}ذلك بمثل{[60690]} صوته أو أخفض من صوته ، فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء ، ويوقر{[60691]} الكبراء . ولما شمل هذا كل جهر مخصوص ، وهو ما يكون مسقطاً للمزية ، قال : { كجهر بعضكم لبعض } أي فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق{[60692]} بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره . ولما نهى عن ذلك ، بين ضرره{[60693]} فقال مبيناً أن من الأعمال ما يحبط ولا يدرى أنه محبط ، ليكون العامل كالماشي في طريق خطر لا يزال-{[60694]} يتوقى خطره ويديم حذره : { أن } أي النهي لأجل خشية-{[60695]} أن { تحبط } أي تفسد فتسقط { أعمالكم } أي التي هي-{[60696]} الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها { وأنتم لا تشعرون } أي بأنها حبطت ، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استخف به واظب عليه ، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر .


[60676]:زيد في الأصل: سورة الفتح بإعظام، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60677]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60678]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60679]:من مد، وفي الأصل: بالراسلة.
[60680]:من مد، وفي الأصل: وتبجل.
[60681]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60682]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60683]:من مد، وفي الأصل: يستقبل.
[60684]:زيد في الأصل: فقال تعالى، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60685]:من مد وفي الأصل: أسباب.
[60686]:من مد، وفي الأصل: بلقبه.
[60687]:من مد، وفي الأصل: هذا ذا.
[60688]:من مد، وفي الأصل: شديدا.
[60689]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60690]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60691]:من مد، وفي الأصل: يوقره.
[60692]:زيد في الأصل: بينكم، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60693]:من مد، وفي الأصل: صوره.
[60694]:زيد من مد.
[60695]:زيد من مد.
[60696]:زيد من مد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

قوله : { ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } ذلكم أدب ثان خليق بالمؤمنين أن يتأدبوا به لدى خطاب بعضهم بعضا في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلا يصخبون أمامه ولا يعلو صياحهم بل يتكلمون في أدب جم واستحياء بالغ واحترام له عظيم . وقد روي أن الآية نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) فقد روى البخاري بإسناده عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيّران أن يهلكا : أبو بكر وعمر ( رضي الله عنهما ) رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس ، وأشار الآخر برجل آخر . فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : ما أردت إلا خلافي . قال : ما أردت خلافك . فارتفعت أصواتهما في ذلك فنزلت الآية فيهما ، فما كان عمر ( رضي الله عنه ) يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه .

والمعنى : لا تتجهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغليظ الخطاب ولاتتصايحوا أمامه في صخب وتتنادوا بالأصوات العالية من غير حاجة { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } الكاف في { كجهر } في موضع نصب صفة لمصدر محذوف . والتقدير : لا تجهروا له جهرا كجهر بعضكم لبعض{[4280]} أي لا تنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينادي بعضكم بعضا ، وذلك بقولكم : يا محمد ، يا محمد . ولكن قولوا في أدب وتوقير وتبجيل وتواضع : يا رسول الله ، يا نبي الله ، وأن لا تعلو أصواتكم في النداء فوق ما يحتاجه السامع للسماع { أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } أي لأن تبطل أعمالكم وقيل : لئلا تبطل أعمالكم فلا يكون لكم عليها أجر ولا جزاء ، وذلك برفعكم أصواتكم فوق صوت النبي ، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض وأنتم لا تعلمون ولا تدرون .


[4280]:البيان لابن الأنباري ج2ص382