نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

ولما ثبت إعظام{[60676]} الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يفتات عليه {[60677]}بأن يتأهب{[60678]} ما هو وظيفته من التقدم في الأمور وقطع المهمات ، فلا يكلم إلا جواباً أو سؤالاً في أمر ضروري لا يمكن تأخيره ، وكان من يكلمه لذلك ربما رفع صوته رفعاً الأولى به غيره مما هو دونه ، وكان من جملة أحواله أن يوحى إليه بالأمور العظيمة ، وكان رفع الصوت إذ ذاك من المشوشات في حسن التلقي للوحي مع ما فيه من قلة الاحترام والإخلاء بالإجلال والإعظام ، قال ذاكراً لثاني الأقسام ، وهو ما كان النظر فيه إلى مقامه صلى الله عليه وسلم بالقصد الأول ، مستنتجاً مما مضى من وصفه بالرسالة{[60679]} الدالة على النبوة ، آمراً بحفظ حرمته ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته بتبجيله{[60680]} وتفخيمه ، وإعزازه وتعظيمه ، مكرراً لندائهم بما ألزموا أنفسهم به من طاعته بتصديقه و{[60681]}استدعاء لتجديد{[60682]} الاستنصار وتطرية الندب إلى الإنصات وإشارة إلى أن المنادى له أمر يستحق أن يفرد بالنداء ويستقل{[60683]} بالتوصية{[60684]} : { يا أيها الذين آمنوا } مكرراً للتعبير بالأدنى من أسنان{[60685]} القلوب للتنبيه على أن فاعل مثل هذه المنهيات والمحتاج فيها إلى التنبيه بالنهي قد فعل من هذا حاله { لا ترفعوا أصواتكم } أي في شيء من الأشياء { فوق صوت النبي } أي الذي يتلقى عن الله ، وتلقيه{[60686]} عنه متوقع في كل وقت ، وهذا يدل على أن أذى{[60687]} العلماء الذين هيأهم الله لتلقي فهم دينه عنه شديد{[60688]} جداً ، فإن تكدير أوقاتهم يمنعهم عن كثير من ذلك .

ولما بين ما في ذلك لأجل النبوة ، بين ما ينبغي في نفسه من المزية فقال : { ولا تجهروا له بالقول } أي إذا كلمتموه سواء كان {[60689]}ذلك بمثل{[60690]} صوته أو أخفض من صوته ، فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء ، ويوقر{[60691]} الكبراء . ولما شمل هذا كل جهر مخصوص ، وهو ما يكون مسقطاً للمزية ، قال : { كجهر بعضكم لبعض } أي فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق{[60692]} بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره . ولما نهى عن ذلك ، بين ضرره{[60693]} فقال مبيناً أن من الأعمال ما يحبط ولا يدرى أنه محبط ، ليكون العامل كالماشي في طريق خطر لا يزال-{[60694]} يتوقى خطره ويديم حذره : { أن } أي النهي لأجل خشية-{[60695]} أن { تحبط } أي تفسد فتسقط { أعمالكم } أي التي هي-{[60696]} الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها { وأنتم لا تشعرون } أي بأنها حبطت ، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استخف به واظب عليه ، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر .


[60676]:زيد في الأصل: سورة الفتح بإعظام، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60677]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60678]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60679]:من مد، وفي الأصل: بالراسلة.
[60680]:من مد، وفي الأصل: وتبجل.
[60681]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60682]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60683]:من مد، وفي الأصل: يستقبل.
[60684]:زيد في الأصل: فقال تعالى، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60685]:من مد وفي الأصل: أسباب.
[60686]:من مد، وفي الأصل: بلقبه.
[60687]:من مد، وفي الأصل: هذا ذا.
[60688]:من مد، وفي الأصل: شديدا.
[60689]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60690]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60691]:من مد، وفي الأصل: يوقره.
[60692]:زيد في الأصل: بينكم، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60693]:من مد، وفي الأصل: صوره.
[60694]:زيد من مد.
[60695]:زيد من مد.
[60696]:زيد من مد.