فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } .

يا من تستيقنون بما يتم به الإيمان ! ليكن كلامكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت خفيض ، وحديثكم إليه يزينه التكريم والتوقير .

[ وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة ، وإنما نُهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة ، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم ، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها ، وانحطاط سائر الرتب . . عن رتبتها .

وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون ]{[5158]} .

[ والجمهور على أن بين النهيين فرقا-النهي الأول { لا ترفعوا أصواتكم . . } والثاني : { ولا تجهروا له بالقول } . . الأول فيما إذا نطق ونطقوا ، أو أنصت ونطقوا ، في أثناء كلامه فنهوا أن يكون جهرهم باهر الجهر ، والثاني : . . أن لا ينادى وقت الخطاب باسمه أو كنيته كنداء بعضهم لبعض فلا يقال : يا أحمد يا محمد يا أبا القاسم ، ولكن يا نبي الله ، يا رسول الله ]{[5159]} .

مما روى البخاري عن ابن الزبير : كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه .

وصحح الحاكم عن أبي هريرة قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بعد نزول الآية : والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله تعالى .

{ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون( 2 ) } .

روى البخاري ومسلم عن أنس : لما نزلت هذه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار ، واحتبس ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال : " يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى " ؟ قال سعد : إنه جاري وما علمت له بشكوى ؛ فأتاه سعد فقال : أنزلت هذه الآية ؛ ولقد علمتم أني أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار ؛ فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل هو من أهل الجنة ) .

[ . . قال بعض نحويي الكوفة : معناه لا تحبط أعمالكم ، وفيه الجزم والرفع إذا وضعت { لا } مكان [ أن ] . . { لا تشعرون } وأنتم لا تعلمون ولا تدرون ]{[5160]} .


[5158]:ما بين العارضتين مما أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[5159]:مقتبس من غرائب القرآن، بتصرف.
[5160]:أورده الطبري.