تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم } يعني كلامكم { فوق صوت النبي } يعني فوق كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقول : احفظوا الكلام عنده ، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس ، وشماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج ، وكان في أذنيه وقر ، وكان إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته .

ثم قال :{ ولا تجهروا له بالقول } وفيه نزلت هذه الآية :{ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } [ النور :63 ] يقول : لا تدعوه باسمه يا محمد ، ويا ابن عبد الله { كجهر بعضكم لبعض } يقول : كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان ، ويا ابن فلان ، ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له : يا رسول الله ، ويا نبي الله ، يؤدبهم { أن تحبط أعمالكم } يعني أن تبطل حسناتكم إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي صلى الله عليه وسلم وتعظموه وتوقروه وتدعوه باسم النبوة ، فإنه يحبط أعمالكم .

{ وأنتم لا تشعرون } آية أن ذلك يحبطها ، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت بن قيس في منزله مهموما حزينا مخافة أن يكون حبط عمله ، وكان بدريا ، فانطلق جاره سعد بن عبادة الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بقول ثابت بن قيس ، بأنه قد حبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين ، وهو في النار . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد :" اذهب فأخبره ، أنك لم تعن بهذه الآية ، ولست من أهل النار ، بل أنت من أهل الجنة ، وغيرك من أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي المنافق ، فاخرج إلينا" فرجع سعد إلى ثابت فأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، ففرح وخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه :" مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار ، بل غيرك من أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي ، وكان جاره ، وأنت من أهل الجنة" . فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم خفض صوته فلا يسمع من يليه .

فنزلت فيه بعد الآية الأولى :{ إن الذين يغضون أصواتهم } يعني يخفضون كلامهم { عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله } يعني أخلص الله { قلوبهم للتقوى لهم مغفرة } لذنوبهم { وأجر } يعني جزاء { عظيم } آية يعني : الجنة ، فقال ثابت بعد ذلك : ما يسرني أني لم أجهر بصوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأني لم أخفض صوتي إذا امتحن الله قلبي للتقوى ، وجعل لي مغفرة لذنوبي ، وجعل لي أجرا عظيما يعني الجنة ، فلما كان على عهد أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، غزا ثابت إلى اليمامة فرأى المسلمين قد انهزموا ، فقال لهم : أف لكم ، ولما تصنعون ، اللهم إني أعتذر إليك من صنيع هؤلاء ، ثم نظر إلى المشركين ، فقال : أف لكم ، ولما تعبدون من دون الله ، اللهم إني أبرأ إليك مما يعبد هؤلاء ، ثم قاتلهم حتى قتل ، رحمة الله عليه .