النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

قوله عز وجل : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ النَّبِّيِ } قيل إن رجلين من الصحابة تماريا عنده فارتفعت أصواتهما ، فنزلت هذه الآية ، فقال أبو بكر رضي الله عنه عند ذلك : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار{[2711]} .

{ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } فيه وجهان :

أحدهما : أنه الجهر بالصوت . روي أن ثابت بن قيس بن شماس قال : يا نبي الله والله لقد خشيت أن أكون قد هلكت ، نهانا الله عن الجهر بالقول وأنا امرؤ جهير الصوت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يَا ثَابِتَ أَمَا تَرْضَى أَن تَعِيشَ حَمِيداً وتُقْتَلَ شَهِيداً{[2712]} وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ " ؟ فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة .

الثاني : أن النهي عن هذا الجهر هو المنع من دعائه باسمه أو كنيته كما يدعو بعضهم بعضاً بالاسم والكنية ، وهو معنى قوله { كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } ، ولكنْ دعاؤه بالنبوة والرسالة كما قال تعالى : { لاَ تَجْعَلُوا دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً }

[ النور : 63 ] .

{ أن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : أن معناه فتحبط أعمالكم .

الثاني : لئلا تحبط أعمالكم .

{ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } بحبط أعمالكم{[2713]} .


[2711]:السرار بالكسر المسارة أي كصاحب المسارة لخفض صوته.
[2712]:رواه أحمد في مسنده 892، وأخرجه ابن جرير كما ذكر السيوطي في أسباب النزول ص 195.
[2713]:في الآية أمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام وعند سماع حديثه عندما يروي لأن له عليه السلام من الحرمة ميتا مثل ما له حيا.