سورة النجم{[1]}
مقصودها ذم الهوى لإنتاجه الضلال والعمى بالإخلاد إلى الدنيا التي هي دار الكدور والبلاء ، والتصرم والفناء ، ومدح العلم لإثماره الهدى في الإقبال على الأخرى لأنها دار البقاء في السعادة أو الشقاء ، والحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في نذارته التي بينتها سورة ق وصدقتها{[2]}/ الذاريات وأوقعتها وعينتها الطور كما تتبع في بشارته لأن علمه هو العلم لأنه لا ينطق عن الهوى لا في صريح الكناية ، ولا في بيانه له لأن الكل عن الله الذي له صفات الكمال فلا [ بد ] من بعث الخلق إليه وحشرهم لديه لتظهر حكمته غاية الظهور فيرفع أهل التزكي والظهور ، ويضع أهل الفجور ، ويفضح كل متحل بالزور ، متجل للشرور ، وعلى ذلك دل اسمها النجم عن تأمل القسم والجواب وما نظم به من نجوم الكتاب ( بسم الله ) الذي أحاط بصفات الكمال فلا يكون رسوله إلا من ذي الكمال ( الرحمن ) الذي عم الموجودات بصفة الجمال ( الرحيم ) الذي خص أهل وده بالإنقاذ من الضلال والهداية إلى ما يرضي من الخلال وصالح الأعمال .
ولما ختمت الطور بأمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والتحميد ، وكان أمره تكويناً لا تكليفاً ، فكان فاعلاً لا محالة ، وذاك بعد تقسيمهم القول في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن وساحر ومجنون ، وكان لذلك تعلق بالشياطين ، وكانت الشياطين مباينة للقرآن بختلها وبمنعها بالرجوم من النجوم كما بين آخر الشعراء ، افتتحت هذه بالحث على الاهتداء بهدية والاستدلال بدله واتباع أثره ، ولما كان من ذلك تسبيحه بالحمد في إدبار النجوم أقسم أول هذه بالنجم على وجه أعم مما في آخر تلك فعبر بعبارة تفهم عروجه وصعوده لأنه لا يغيب في الأفق الغربي واحد من السيارة إلا وطلع من الأفق الشرقي في نظير له منها لما يكون عند ذلك من تلك العبارة العالية ، والأذكار الزاكية ، مع ما فيه من عجيب الصنع الدال على وحدانية مبدعه من زينة السماء التي فيها ما توعدون والحراسة من المردة حفظاً لنجوم الكتاب والاهتداء به الدين والدنيا ، وغير ذلك من الحكم التي يعرفها الحكماء ، فقال تعالى : { والنجم } أي هذا الجنس من نجوم السماء أو القرآن لنزوله منجماً مفرقاً وهم يسمون{[61667]} التفريق تنجيماً - أو النبات ، قال البغوي{[61668]} : سمي النجم{[61669]} نجماً لطلوعه وكل طالع نجم . { إذا هوى } أي نزل للأفول أو لرجم الشياطين عند الاستراق كما رواه عكرمة عن ابن عباس{[61670]} رضي الله عنهما إن كان المراد السمائي ، فكانت عنده العبادة والاستغفار والدعاء للملك الجبار بالأسحار ، أو صعد فكان به اهتداء المصلي والقارئ والساري ، فإنه يقال : هوى هوياً - بالفتح إذا سقط ، وبالضم - إذا علا وصعد ، أو نزل به الملك للإصعاد وللإبعاد إن كان المراد القرآني لما يحصل من البركات في الدين والدنيا والشرح للصدور ، والاطلاع على عجائب المقدور ، أو إذا سقط منبسطاً على الأرض أو ارتفع عنها إن كان المراد النبات ، لما فيه من غريب الصنعة وجليل التقدير الدال على عام القدرة وكمال العلم والتوحد بالملك والغنى المطلق .
هذه السورة مكية وفيها من الآيات اثنا وستون آية . وهي حافلة بألوان التذكير والتحذير مما يريع ويثير .
والسورة بآياتها القصيرة ، وكلماتها المؤثرة العذاب ، وإيقاعها الشجي النفاذ ، كل ذلك يحيط النفس والخيال والذهن بظلال من الترويع والذكرى . على أن السورة مبدوءة بالقسم من الله - جل جلاله - بجزء من خلقه على صدق رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم وحقيقة نبوته الميمونة ، وأنه لا ينطق عن الهوى وإنما يأتيه الوحي من السماء بالآيات والأخبار من ربه .
وفي السورة تنديد بعبادة الأصنام كاللات والعزى ومناة . وتلك أصنام مصطنعة بلهاء عكف المشركون على عبادتها سفها وضلالا إلى غير ذلك من المعاني والعبر مما فيه موعظة وذكرى للمعتبرين .
{ والنجم إذا هوى 1 ما ضل صاحبكم وما غوى 2 وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحي يوحى 4 علّمه شديد القوى 5 ذو مرة فاستوى 6 وهو بالأفق الأعلى 7 ثم دنا فتدلى 8 فكان قاب قوسين أو أدنى 9 فأوحى إلى عبده ما أوحى 10 ما كذب الفؤاد ما رأى 11 أفتمارونه على ما يرى 12 ولقد رآه نزلة أخرى 13 عند سدرة المنتهى 14 عندها جنة المأوى 15 إذ يغشى السدرة ما يغشى 16 ما زاغ البصر وما طغى 17 لقد رأى من آيات ربه الكبرى } .
أقسم الله بجزء من خلقه وهو النجم إذا هوى أي إذا سقط إلى أسفل . والمراد بالنجم ههنا الثريا إذا سقطت مع الفجر . والثريا من حيث العدد جملة نجوم . وقيل : المراد نجوم السماء جميعا حين تغرب ، فقد أقسم الله بالنجوم إذا غابت . وقيل غير ذلك .
وقد روي في هذا الصدد عن عروة بن الزبير ( رضي الله عنه ) أن عتبة بن أبي لهب وكان زوجا لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراد الخروج إلى الشام فقال : لآتينّ محمدا فلأوذينّه . فأتاه فقال : يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى . ثم تفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد عليه ابنته وطلقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك " وكان أبو طالب حاضرا فوجم{[4369]} لها وقال : ما كان أغناك با ابن أخي عن هذه الدعوة . فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره . ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال لهم : إن هذه أرض مسبعة ( تكثر فيها السباع ) . فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة . فإني أخاف على ابني من دعوة محمد . فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وأحدقوا بعتبة فجاء الأسد يتشمّم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.