التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (126)

{ بلدا } يعني مكة .

{ آمنا } أي : مما يصيب غيره من الخسف والعذاب ، وقيل : { آمنا } من إغارة الناس على أهله لأن العرب كان يغير بعضهم على بعض ، وكانوا لا يتعرضون لأهل مكة ، وهذا أرجح لقوله :{ أولم نمكن لهم حرما آمنا }[ القصص :57 ] { ويتخطف الناس من حولهم }[ العنكبوت :67 ] .

فإن قيل : لم قال : في البقرة { بلدا آمنا } فعرف في إبراهيم ، ونكر في البقرة ؟ أجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة :

الجواب الأول : قاله أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير وهو أنه تقدم في البقرة ذكر البيت في قوله :{ القواعد من البيت }[ البقرة :127 ] ، وذكر البيت يقتضي بالملازمة ذكر البلد الذي هو فيه ، فلم يحتج إلى تعريف ، بخلاف آية إبراهيم ، فإنها لم يتقدم قبلها ما يقتضي ذكر البلد ولا المعرفة به ، فذكره بلام التعريف .

الجواب الثاني : قاله السهيلي : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان بمكة حين نزلت آية إبراهيم لأنها مكية فلذلك قال فيه البلد بلام التعريف التي للحضور : كقولك : هذا الرجل ، وهو حاضر ، بخلاف آية البقرة ، فإنها مدنية ، ولم تكن مكة حاضرة حين نزولها فلم يعرفها بلام الحضور ، وفي هذا نظر ؛ لأن ذلك الكلام حكاية عن إبراهيم عليه السلام ، فلا فرق بين نزوله بمكة أو المدينة .

الجواب الثالث : قاله بعض المشارقة : أنه قال هذا بلد آمنا قبل أن يكون بلدا فكأنه قال : اجعل هذا الموضع بلدا آمنا وقال : هذا البلد بعد ما صار بلدا وهذا يقتضي أن إبراهيم دعا بهذا الدعاء مرتين ، والظاهر أنه مرة واحدة حكى لفظه فيها على وجهين :

{ من آمن } بدل بعض من كل .

{ ومن كفر } أي : قال : الله وأرزق من كفر لأن الله يرزق في الدنيا المؤمن والكافر .