السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (126)

{ و } اذكر { إذ قال إبراهيم رب اجعل } هذا أي مكة أو الحرام { بلداً آمناً } أي : ذا آمن كقوله تعالى : { في عيشة راضية } ( القارعة ، 7 ) أو آمناً أهله كقول القائل ليل نائم { وارزق أهله من الثمرات } إنما دعا بذلك ؛ لأنه كان بواد غير ذي زرع . وفي القصص أنّ الطائف كانت من مدائن الشام بأردن فلما دعا إبراهيم هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه الصلاة والسلام حتى قطعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعاً ثم وضعها موضعها الآن فمنها أكثر ثمرات مكة .

وقوله تعالى : { من آمن منهم بالله واليوم الآخر } بدل من أهله قاس إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه الرزق على الإمامة حيث قيده بالمؤمن كما قيدت به { قال } تعالى : { و } أرزق { من كفر } لأنّ الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر بخلاف الإمامة والتقدم في الدين { فأمتعه } في الدنيا بالرزق .

وقرأ ابن عامر بسكون الميم وتخفيف التاء والباقون بفتح الميم وتشديد التاء ، وأمّا الهمزة بعد الألف فالجميع اتفقوا على ضمها { قليلاً } أي : مدّة حياته والكفر وإن لم يكن يسبب التمتع لكنه يسبب تقليله بأن يجعله مقصوراً بحظوظ الدنيا غير متوصل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه { ثم أضطرّه } أي : ألجئه في الآخرة { إلى عذاب النار } فلا يجد عنها محيصاً { وبئس المصير } أي : المرجع والمخصوص بالذمّ محذوف وهو العذاب قال مجاهد : وجد عند المقام أنا الله ذو بكة أي : صاحبها صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض وحففتها بسبعة أملاك حنفاء يأتيها رزقها مباركة لأهلها في اللحم والماء .