قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً } يعني مكة { وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } ليجمع لأهله الأمن والخصب ، فيكونوا في رغد من العيش .
{ مَنْ ءَآمَنَ مِنْهُم بِاللهِ } فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا من قول إبراهيم متصلاً بسؤاله ، أن يجعله بلداً آمناً ، وأن يرزق أهله الذين آمنوا به من الثمرات ، لأن الله تعالى قد أعلمه بقوله : { لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أن فيهم ظالماً هو بالعقاب أحق من الثواب ، فلم يسأل أهل المعاصي سؤال أهل الطاعات .
والوجه الثاني : أنه سؤاله كان عاماً مرسلاً ، وأن الله تعالى خص الإجابة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر ، ثم استأنف الإخبار عن حال الكافرين ، بأن قال : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً } يعني في الدنيا .
{ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ } يعني بذنوبه إن مات على كفره .
واختلفوا في مكة ، هل صارت حرماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك ؟ على قولين :
أحدهما : أنها لم تزل حرماً مِنَ الجَبَابِرَةِ والمُسَلَّطِينَ ، ومن الخسوف والزلازل ، وإنما سأل إبراهيم ربَّه : أن يجعله آمناً من الجذب والقحط ، وأن يرزق أهله من الثمرات ، لرواية سعيد بن المقبري ، قال : سمعت أبا شريح الخزاعي يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة ، قتلت خزاعة رجلاً من هذيل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : " يأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليومِ الآخرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيها دَماً أَوْ يُعَضِّدُ{[198]} بِهَا شَجَراً ، وَأَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَباً عَلَى أَهْلِهَا ، ألاَ وَهِيَ قَدْ رَجِعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالأَمْسِ ، ألاَ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ . فَمَنْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ قَتَلَ بِهَا فَقُولُوا : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكْ " {[199]} .
والثاني : أن مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم ، كسائر البلاد ، وأنها بدعوته صارت حرماً آمنا ، وبتحريمه لها ، كما صارت المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم حراماً ، بعد أن كانت حلالاً ، لرواية أشعب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَ اللهِ وَخَلِيله ، وَإِنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا عَضَاهَا وَصَيْدُهَا ، لاَ يُحْمَلُ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ ، وَلاَ يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرٌ لَعَلَفٍ " {[200]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.