نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (126)

و{[4901]}لما ذكر أمر البيت الشريف فيما تكفل به{[4902]} سبحانه وفيما أمر به الخليل و{[4903]}ولده عليهما السلام من تطهيره ذكر باهتمامه بأهله ودعائه لهم مبكتاً لمن عقّه من ذريته بالتصريح بكفرهم بيوم{[4904]} الجزاء الأمر بكل خير الزاجر عن كل ضير فقال : وإذ قال إبراهيم رب } فأسقط أداة البعد إنباء بقربه{[4905]} كما هو حال أهل الصفوة{[4906]} { اجعل هذا } أي الموضع{[4907]} الذي جعلت فيه بيتك وأمرتني بأن أسكنته من ذريتي .

ولما كان السياق للمنع من المسجد وللسعي في خرابه وكان ذلك شاملاً بعمومه للبادي ولذلك{[4908]} قرر أنه مثابة للناس عامة وأمنٌ كان الأنسب تنكير البلد فقال : { بلداً } يأنس{[4909]} من يحل به { آمناً } إفصاحاً بما أفهمه

{ وإذ جعلنا البيت }[ البقرة : 125 ] الآية ، والمعنى أنكم عققتم أعظم آبائكم في دعوتيه كلتيهما : في كونه بلداً فإنه{[4910]} إذا انقطع الناس عن أهله خرب{[4911]} ، وفي كونه آمناً ، وهذا بخلاف ما يأتي في سورة إبراهيم عليه السلام .

ولما ذكر القرار والأمن أتبعه الرزق وقال{[4912]} : { وارزق أهله }{[4913]} وقال : { من الثمرات } ، ولم يقل : من الحبوب ، لما في تعاطيها من الذل المنافي للأمن ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سكة حرث فقال : " ما دخلت هذه بيتاً إلا ذل " وقال : { من آمن منهم بالله } الجامع لصفات الكمال{[4914]} { واليوم الآخر } تقييداً لدعوة الرزق بما قيدت به دعوة الإمامة{[4915]} تأدباً معه{[4916]} حيث قال :{ لا ينال عهدي الظالمين }[ البقرة : 124 ] { قال } الله تعالى معلماً أن شمول الرحمانية{[4917]} بأمن الدنيا ورزقها لجميع{[4918]} عمرة الأرض { ومن كفر } أي أنيله{[4919]} أيضاً ما ألهمتك من الدعاء بالأمن والرزق ، وعبر عن ذلك بقوله : { فأمتعه{[4920]} } تخسيساً له بما أفهمه لفظ المتاع بكونه كما مضى من أسماء الجيفة التي إنما هي منال{[4921]} المضطر على شعور يرفضه على قرب من مترجي الغناء عنها ، وأكد{[4922]} ذلك بقوله : { قليلاً } لكن فيه إيماء إلى أنه يكون أطيب حالاً في الدنيا وأوسع رزقاً من المؤمن ، وكذا في قوله : { ثم أضطره }{[4923]} بما لي من العظمة الباهرة{[4924]} { إلى عذاب النار } أي{[4925]} بما أستدرجه{[4926]} به من النعم الحاملة له على المعاصي التي هي أسباب النقم ، وفي التعبير بلفظ الاضطرار إلى ما لا يقدم عليه أحد باختيار إشعار بإجبار الله خلقه على ما يشاء{[4927]} منهم من إظهار حكمته وأن أحداً لا يقدر على حركة ولا سكون إلا بمشيئته ؛ والاضطرار الإلجاء إلى ما فيه ضرر بشدة وقسر{[4928]} . ولما كان التقدير : فبئس المتاع ما ذكر له في الدنيا ، عطف عليه قوله : { وبئس المصير } أي العذاب له في الآخرة ، وهو مفعل مما {[4929]}منه التصيير{[4930]} وهو التنقيل{[4931]} في أطوار وأحوال ينتهي{[4932]} إلى غاية تجب{[4933]} أن تكون{[4934]} غير حالة الشيء الأولى{[4935]} بخلاف المرجع .


[4901]:ليس في م
[4902]:ليس في مد
[4903]:ليس في م
[4904]:في م: ينوم - كذا
[4905]:من م و ظ ومد، وفي الأصل: بقربه -كذا
[4906]:زيد في ظ "و"
[4907]:زيد في ظ: أي
[4908]:في م: بذلك
[4909]:زيد في م و ظ ومد "به"
[4910]:في ظ: قاله -كذا
[4911]:في مد: حزب -كذا
[4912]:في ظ: فقال
[4913]:قال أبو حيان الأندلسي: لما بنى إبراهيم البيت في أرض مقفرة وكان حال من يتمدن من الأماكن يحتاج فيه إلى ماء يجري ومزرعة ويمكن بهما القطان بالمدينة دعا الله للبلد بالأمن وبأن يجيء له الأرزاق، فإنه إذا كان البلد ذا أمن أمكن وفود التجار إليه لطلب الربح، ولما سمع في الإمامة قوله تعالى "كلا ينال عهدي الظالمين" قيد هنا من سأل له الرزق فقال {من آمن منهم بالله واليوم الآخر} والضمير في "منهم" عائد على "أهله" دعا لمؤمنهم بالأمن والخصب لأن الكافر لا يدعي له بذلك.
[4914]:ليست في ظ
[4915]:العبارة من هنا إلى "الظالمين" ليست في ظ
[4916]:زيد في مد: تعالى
[4917]:في م: الرحمة
[4918]:في ظ: بجميع
[4919]:في مد: ابتله -كذا
[4920]:زيد في م: قليلا، وسيأتي
[4921]:في م: متال -كذا
[4922]:زيد في م: في
[4923]:ليست في ظ
[4924]:ليست في ظ
[4925]:ليس في مد
[4926]:في م: استدرجته
[4927]:في مد: شاء
[4928]:في م: قشر
[4929]:في م: التعيير
[4930]:في م: التعيير
[4931]:من م و ظ، وفي الأصل: التقليد، وفي مد: التنقل
[4932]:في م و مد: تنتهي
[4933]:في مد: تحت، وفي بقية الأصول: بحب
[4934]:في ظ: يكون، وفي مد: يكون -كذا
[4935]:في م ومد: الأول.