تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

وقوله : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } قال ابن عباس ، وأبو العالية ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد : بينا لهم{[25653]} .

وقال الثوري : دعوناهم .

{ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } أي : بصرناهم ، وبينا لهم ، ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح صلى الله عليه وسلم {[25654]} ، فخالفوه وكذبوه ، وعقروا ناقة الله التي جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم ، { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ } أي : بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذلا وهوانا وعذابا ونكالا { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : من التكذيب والجحود .


[25653]:- (8) في ت: "وسعيد بن جبير وغيرهم".
[25654]:- (9) في ت، س: "عليه السلام".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

وقرأ جمهور الناس : «ثمودُ » بغير حرف ، وهذا على إرادة القبيلة . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب : «ثمودٌ » بالتنوين والإجراء ، وهذا على إرادة الحي ، وبالصرف كان الأعمش يقرأ في جميع القرآن إلافي قوله : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } [ الإسراء : 59 ] لأنه في المصحف بغير ألف . وقرأ ابن أبي إسحاق والأعرج بخلاف ، والأعمش وعاصم «ثمودَ » بالنصب ، وهذا على إضمار فعل يدل عليه قوله : { فهديناهم } ، وتقديره عند سيبويه : مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم ، والرفع عنده أوجه{[10055]} ، وروي عن ابن أبي إسحاق والأعمش : «ثموداً » منونة منصوبة ، وروى الفضل عن عاصم الوجهين .

وقوله تعالى : { فهديناهم } معناه : بينّا لهم ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد ، وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد ، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين لنا ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالصد ، فذلك استحباب العمى على الهدى{[10056]} .

وقوله تعالى : { فاستحبوا } عبارة عن تكسبهم في العمى ، وإلا فهو بالاختراع لله تعالى ، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله تعالى : { بما كانوا يكسبون } .

وقوله تعالى : { العذاب الهون } وصف بالمصدر ، والمعنى الذي معه هوان وإذلال .


[10055]:في بعض النسخ: (الرفع عنده أوجب).
[10056]:في بعض النسخ: (فلذلك يقال: استحبوا العمى على الهدى).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

بقية التفصيل الذي في قوله : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا } [ فصلت : 15 ] .

ولما كان حال الأمتين واحداً في عدم قبول الإرشاد من جانب الله تعالى كما أشار إليه قوله تعالى : { لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً } [ فصلت : 14 ] كان الإِخبار عن ثمود بأن الله هَداهم مقتضياً أنه هدَى عاداً مثل ما هدى ثمود وأن عاداً استحبوا العَمى على الهدى مثل ما استحبت ثمود . والمعنى : وأما ثمودُ فهديناهم هداية إرشاد برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم من الأرض .

فالمراد بالهداية هنا : الإرشاد التكليفي ، وهي غير ما في قوله : { ومن يهد اللَّه فما له من مضل } [ الزمر : 37 ] فإن تلك الهداية التكوينية لمقابلته بقوله : { وَمَن يضْلل الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ غافر : 33 ] .

واستحبوا العمى معناه : أحبّوا ، فالسين والتاء للمبالغة مثلهما في قوله : { فاستكْبُروا في الأرضضِ بغيرِ الحَقِّ } [ فصلت : 15 ] ، أي كان العمى محبوباً لهم . والعمى : هنا مستعار للضلال في الرأي ، أي اختاروا الضلال بكسبهم . وضُمن ( استحبوا ) معنى : فَضَّلوا ، وَهَيَّأ لهذا التضمين اقترانُه بالسين والتاء للمبالغة لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات فلذلك عدّي ( استحبوا ) بحرف { على } ، أي رجحوا باختيارهم . وتعليق { عَلَى الهدى } بفعل ( استحبوا ) لتضمينه معنى : فضّلوا وآثروا .

وفُرع عليه { فَأَخَذَتْهُم صاعقة العَذَابِ الهُونِ } ، وكان العقاب مناسباً للجُرم لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى ، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى ، فكان جزاؤهم بالصاعقة لأنها تُعمِي أبصارهم في حين تهلكهم قال تعالى : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } [ البقرة : 20 ] .

والأخذ : مستعار للإصابة المهلكة لأنها اتصال بالمُهلَك يُزيله من الحياة فكأنه أخذ باليد .

والصاعقة : الصيْحة التي تنشأ في كهربائية السحاب الحامل للماء فتنقدح منها نار تهلك ما تصيبه . وإضافة { صاعقة } إلى { العَذَابِ } للدلالة على أنها صاعقة تُعَرّف بطريق الإضافة إذ لا يُعرِّفَ بها إلا ما تضاف إليه ، أي صاعقة خارقة لمعتاد الصواعق ، فهي صاعقة مسخرة من الله لعذاب ثمود ، فإن أصل معنى الإضافة أنها بتقدير لام الاختصاص فتعريف المضاف لا طريق له إلا بيان اختصاصه بالمضاف إليه .

و { العذاب } هو : الإِهلاك بالصعق ، ووصف ب { الهُونِ } كما وصف العذاب بالخزي في قوله : { لنُذيقَهُم عَذَابَ الْخِزي } [ فصلت : 16 ] ، أي العذاب الذي هو سبب الهُون . و { الهُون } : الهوان وهو الذل ، ووجه كونه هَواناً أنه إهلاك فيه مذلة إذ استُؤْصلوا عن بكرة أبيهم وتُركوا صرعى على وجه الأرض كما بيناه في مهلك عاد . أي أخذتهم الصاعقة بسبب كسبهم في اختيارهم البقاء على الضلال بإعراضهم عن دعوة رسولهم وعن دلالة آياته .

ويعلم من قوله في شأن عاد { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى } [ فصلت : 16 ] أن لثمود عذاباً في الآخرة لأن الأمتين تماثلتا في الكفر فلم يذكر ذلك هنا اكتفاء بذكره فيما تقدم . وهذا مُحسِّن الاكتفاء ، وهو محسِّن يرجع إلى الإيجاز .