الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (19)

قوله ( يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ) الآية [ 21 ] .

قوله ( أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا ) : ( أَن ) في موضع نصب أي : [ كَرَاهَةَ ]( {[15346]} ) أن تقولوا( {[15347]} ) .

وقال الفراء : المعنى : ( لأن لا )( {[15348]} ) تَقُولُوا( {[15349]} ) .

ومعنى الآية أنها مخاطبة( {[15350]} ) لليهود الذين كانوا بين ظهرانيْ( {[15351]} ) ( مُهَاجَرِ النَّبِي )( {[15352]} ) صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنهم لما دعاهم النبي إلى الإيمان به وبما جاءهم به ، قالوا : ما بعث الله من نبي بعد( {[15353]} ) موسى ، ولا أنزل كتاباً بعد التوراة( {[15354]} ) .

( و )( {[15355]} ) قال ابن عباس : قال معاذ بن جبل( {[15356]} ) وسعد بن عبادة( {[15357]} ) وعقبة بن وهب( {[15358]} ) لليهود : يا معشر اليهود ، اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته ، فأنكروا( {[15359]} ) ما قالوا لهم ، وقالوا : ما أنزل الله من كتاب( {[15360]} ) بعد موسى ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده ، فأنزل الله الآية( {[15361]} ) .

ومعنى ( عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ) : على انقطاع من الرسل وسكون( {[15362]} ) ، وذلك أنه كانت الرسل بين موسى وعيسى متواترين( {[15363]} ) .

وقد اختلف في الفترة التي كانت بين محمد وعيسى عليه السلام : فقال قتادة : هي خمس مائة سنة( {[15364]} ) وستون سنة( {[15365]} ) .

وقيل عنه : خمس مائة وأربعون( {[15366]} ) ، وقيل عنه : ست( {[15367]} ) مائة وزيادة سنين( {[15368]} ) .

وقال الضحاك : هي أربع مائة سنة وبضع وثلاثون سنة( {[15369]} ) .

وقال ابن عباس : هي أربع مائة سنة( {[15370]} ) فترة لا نَبِيَّ فيها ، وكانت مائة سنة بعث الله فيها أربعة أنبياء ، منهم( {[15371]} ) ثلاثة رسل( {[15372]} ) ، وهم الذين ذكروا في " يس " ( {[15373]} ) ، فبين( {[15374]} ) ميلاد عيسى وميلاد محمد خمس مائة سنة( {[15375]} ) .

وقيل : هو ما جاءهم به رسول الله من تخفيف ما كان الله شدد عليهم وتحليل ما كان حرم عليهم( {[15376]} ) .

ومعنى ( أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشَرٍ وَلاَ نَذِيرٍ ) أي : أعذرنا إليكم برسول وكتاب كراهة أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير( {[15377]} ) .


[15346]:- أ ب: كراهية.
[15347]:- انظر: معاني الزجاج 2/162، وإعراب النحاس 1/489، وفي إعراب العكبري 439: "مخافة أن تقولوا".
[15348]:- ب ج د: لان.
[15349]:- في معانيه 1/303: "كي لا تقولوا. وقد فسر به الطبري هذه الآية في تفسيره 10/157، وانظر: معاني الزجاج 2/162.
[15350]:- ب: مخاطبة.
[15351]:- ج د: طهراني.
[15352]:- مخرومة في أ ج د: مهاجراً للنبي. "و" المُهَاجَر –بفتح الجيم-: موضع المُهاجَرة... وتكلَّم بالمَهَاجِر: أي: بالهُجْر" وهو "القبيح من الكلام" انظر: اللسان: هجر. وفي السبعة 53: "وإنما بدأتُ بذكر أهل المدينة، لأنها مُهَاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعدن الأكابر من صحابته".
[15353]:- ب: من بعد.
[15354]:- انظر: تفسير الطبري 10/155.
[15355]:- ساقطة من ب ج د.
[15356]:- هو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، عالم بالأحكام والقرآن، شهد بدراً ومات بالشام سنة 18هـ. انظر: التقريب 2/255، وطبقات ابن خياط 103 و104.
[15357]:- هو أبو ثابت سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي، من أهل المدينة، كان أحد النقباء الاثني عشر. شهد بيعة العقبة وأُحداً والخندق وغيرها. توفي سنة 14هـ. انظر: طبقات ابن سعد 3/142، والأعلام 3/86.
[15358]:- هو عقبة بن وهب العامري الكوفي، مقبول. انظر: التقريب 2/28، والجمهرة 248.
[15359]:- والمنكرون هم رافع بن حُريملة ووهب بن يهودا في تفسير الطبري 10/155.
[15360]:- د: كتب.
[15361]:- انظر: تفسير الطبري 10/155، وأحكام القرطبي 6/120، ولباب النقول 90.
[15362]:- انظر: تفسير الطبري 10/156.
[15363]:- انظر: معاني الزجاج 2/162.
[15364]:- ب: زيادة سنة.
[15365]:- انظر: تفسير الطبري 10/156 و157، والمحرر 5/66، وتفسير البحر 3/452، وتفسير ابن كثير 2/37.
[15366]:- هو قول معمر عن أصحابه في تفسير الطبري 10/57، وتفسير ابن كثير 2/37، وقول الكلبي في تفسير البحر 3/452.
[15367]:- ب ج د: ستة.
[15368]:- انظر: تفسير البحر 3/452.
[15369]:- انظر: تفسير الطبري وأحكام القرطبي 6/122، وتفسير ابن كثير 2/37، والمحرر الوجيز 5/66، وتفسير البحر 3/452، وروح المعاني 6/103.
[15370]:- في طبقات ابن سعد 1/53: أربعمائة سنة وأربع وثلاثين سنة.
[15371]:- ب ج د: فيهم.
[15372]:- انظر: طبقات ابن سعد 1/53.
[15373]:- ب د: يمين، والآية هي: (إِذَا اَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ) الآية 13. وانظر: قول الكلبي في التفسير الكبير 11/194.
[15374]:- ب: سف، بدون نقطة الفاء، ج: بين، د: بيين.
[15375]:- في طبقات ابن سعد 1/53: خمسمائة سنة وتسع وستون سنة. وفيما يتعلق بالفترة الفاصلة بين رفع المسيح وهجرة رسول الله ذكر ابن كثير في تفسيره 2/37 أن القول المشهور فيها هو: ستمائة سنة. قال في تفسير البحر 3/452 معلقاً على تضارب الأقوال بشأن الفترة: "وهذه التواريخ نقلها المفسرون من كتب اليونان وغيرهم ممن لا يتحرى النقل".
[15376]:- انظر: التعليق عليه في تفسير الآية 16 من المائدة.
[15377]:- انظر: تفسير الطبري 10/157، وانظر: معاني الزجاج 2/162.