صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ سبع سموات طباقا } أي بعضها فوق بعض . مصدر طابق مطابقة وطباقا ؛ من طابق النعل : أي جعله طبقة فوق أخرى . وصف به للمبالغة ، أو بتقدير مضاف ، أي ذات طباق . قال البقاعي : حيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجا عن ذلك . وهي لا تكون كذلك إلا أن تكون الأرض كرية ، والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة من جميع الجوانب ، والسماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا ، وهكذا إلى أن يكون العرش محيطا بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها بالنسبة إليه كحلقة في فلاة ؛ فما ظنك بما تحته ! وكل سماء من التي فوقها بهذه النسبة . وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظاهره يوافقه . اه .

{ ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } ما ترى في خلق السموات السبع ، شيئا من الاختلاف وعدم التناسب ، فلا عيب ولا نقص ، ولا اعوجاج ولا اضطراب في شيء منها . بل كلها محكمة جارية على مقتضى الحكمة . يقال : تفاوت الشيئان تفاوتا ، تباعد ما بينهما ؛ من الفوت ، وأصله الفرجة بين أصبعين . والجملة صفة لسبع سموات . { فارجع البصر } أي إن كنت في شك من ذلك ، فكرر النظر فيما خلقنا حتى يتضح لك الأمر ، ولا يبقى عندك شبهة فيه . { هل ترى من فطور } أي خلل ووهن . وأصل معنى الفطور : الشقوق والصدوع ؛ جمع فطر . يقال : فطره فانفطر . وتفطر الشيء تشقق ؛ وبابه نصر أريد منه ما ذكرنا لعلاقة اللزوم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

طباقا : يشبه بعضها بعضا في الإتقان .

ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت : لا ترى فيما خلق الله من اختلاف وعدم تناسب وإتقان صنعة .

فارجع البصرَ : أعد النظر .

هل ترى من فُطور : هل ترى من نقصٍ أو شقوق .

ثم بيّن الله تعالى أنه أبدعَ سبع سمواتٍ طباقاً ، يطابق بعضُها بعضا في دِقّة الصَّنعةِ والإتقان . والعددُ سبعة لا يفيد الحَصر ، بل يجوز أن يكون هنا أكثر بكثير ، ولكنّ القرآن يجري على مفهوم لغةِ العرب . . فإن هذا الكونَ العجيبَ فيه مَجَرّات لا حصر لها وكل مجرّةٍ فيها ملايين النجوم .

والسماءُ كل ما علانا فأظلَّنا ، والصورةُ التي يراها سكانُ الأرض في الليالي الصافية هي القبّة الزرقاءُ تزيّنها النجومُ والكواكب كأنها مصابيحُ ، كما تُرى الشهبُ تهوي محترقةً في أعالي جوّ الأرض .

ما تَرى أيها الإنسان ، في صُنع اللهِ أيَّ تفاوت .

{ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ } .

أعِد النظرَ في هذا الكون العجيب الصنع ، وفي هذه السماء . . هل تجد أي خلل ؟

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : ما ترى في خلق الرحمن من تفوّت بتشديد الواو بلا ألف . والباقون : من تفاوت .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ الذي خَلَقَ سَبْعَ سموات } قيل هو نعت للعزيز الغفور أو بيان أو بدل واختار شيخ الإسلام أنه نصب أو رفع على المدح متعلق بالموصولين السابقين معنى وان كان منقطعاً عنهما اعراباً منتظم معهما في سلك الشهادة بتعاليه سبحانه وتعالى ومع الموصول الثاني في كونه مداراً للبلاء كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم { أيكم أحسن عملا } [ هود : 7 ] وقوله تعالى : { طِبَاقاً } صفة لسبع وكون الوصف للمضاف إليه العدد ليس بلازم بل أكثرى وهو مصدر طابقت النعل بالنعل إذا خصفتها وصف به للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق أو بتأويل اسم المفعول أي مطابقة وجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً مؤكداً لمحذوف أي طوبقت طباقاً والجملة في موضع الصفة وأن يكون جمع طبق كجمل وجمال أو جمع طبقة كرحبة بفتح الحاء ورحاب والكلام بتقدير مضاف لأنه اسم جامد لا يوصف به أي ذات طباق وقيل يجوز كونه حالاً من سبع سموات لقربه من المعرفة بشموله الكل وعدم فرد وراء ذلك وتعقب بأن قصارى ذلك بعد القيل والقال أن يكون نحو شمس مما انحصر في فرد وهو لا تجيء الحال المتأخرة منه فلا يقال طلعت علينا شمس مشرقة وأياً ما كان فالمراد كما أخرج عبد بن حميد بعضها فوق بعض ولا دليل في ذلك على تلاصقها كما زعمه متقدمو الفلاسفة ومن وافقهم من الإسلاميين مخالفين لما نطقت به الأحاديث الصحيحة وان لم يكفر منكر ذلك فيما أرى واختلف في موادها فقيل الأولى من موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من زمردة بيضاء وقيل غير ذلك ولا أظنك تجد خبراً يعول عليه فيما قيل ولو طرت إلى السماء وأظنك لو وجدت لأولت مع اعتقاد أن الله عز وجل على كل شيء قدير وقوله تعالى : { مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت } صفة أخرى على ما في الكشاف لسبع سموات وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتعظيم والإشعار بعلة الحكم بحيث يمكن أن يترتب قياس من الشكل الأول ينتج نفي رؤية تفاوت فيها وبأنه عز وجل خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلاً وبأن في إبداعها نعماً جليلة وما ذكره ابن هشام في الباب الرابع من المغنى من أن الجملة الموصوف بها لا يربطها إلا الضمير اما مذكوراً وإما مقدراً ليس بحجة على جار الله والتوفيق بأن ذلك إذا لم يقصد التعظيم ليس بشيء لأنه لا بد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره واستظهر أبو حيان أنه استئناف وان خلق الرحمن عام للسموات وغيرها والخطاب لكل أحد ممن يصلح للخطاب وجوز أن يكون لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولعل الأول أولى ومن لتأكيد النفي أي ما ترى شيئاً من تفاوت أي اختلاف وعدم تناسب كما قال قتادة وغيره من الفوت فإن كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر وفسر بعضهم التفاوت بتجاوز الشيء الحد الذي يجب له زيادة أو نقصاً وهو المعنى بالاختلاف وعلى ذلك قول بعض الأدباء

. تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى *** بهن اختلافاً بل أتين على قدر

وقال السدى أي من عيب وإليه يرجع قول من قال أي من تفاوت يورث نقصاً وقال عطاء بن يسار أي من عدم استواء وقيل أي من اضطراب وقيل أي من اعوجاج وقيل أي من تناقض ومآل الكل ما ذكرنا ومن الغريب ما قاله شيخ الطائفة الكشفية في زماننا من أن بين الأشياء جميعها ربطاً وهو نوع من التجاذب لا يفوت بسببه بعضها عن بعض وحمل الآية على ذلك وإلى نحو هذا ذهب الفلاسفة اليوم فزعموا أن بين الأجرام علويها وسفليها تجاذباً على مقادير مخصوصة به حفظت أوضاعها وارتبط بعضها ببعض لكن ذهب بعضهم إلى أن ما به التجاذب والارتباط يضعف قليلاً قليلاً على وجه لا يظهر له أثر إلا في مدد طويلة جداً واستشعروا من ذلك إلى أنه لا بد من خروج هذا العالم المشاهد عن هذا النظام المحسوس فيحصل التصادم ونحوه بين الأجرام وقالوا إن كان قيامة فهو ذاك ولا يخفي حال ما قاله وما قالوه وإن الآية على ما سمعت بمعزل عن ذلك وقرأ عبد الله وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش من تفوت بشد الواو مصدر تفوت وحكى أبو زيد عن العرب في تفاوت فتح الواو وضمها وكسرها والفتح والكسر شاذان كما في البحر وقوله تعالى : { فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ } متعلق بما قبله على معنى التسبب أي عن الاخبار بذلك فإنه سبب للأمر بالرجوع دفعا لما يتوهم من الشبهة فهو في المعنى جواب شرط مقدر أي ان كنت في ريب من ذلك فارجع البصر حتى يتضح الحال ولا يبقى لك ريب وشبهة في تحقق ما تضمنه ذلك المقال من تناسب خلق الرحمن واستجماعه ما ينبغي له . والفطور قال مجاهد الشقوق جمع فطر وهو الشق يقال فطره فانفطر والظاهر أن المراد الشق مطلقاً لا الشق طولاً على ما هو أصله كما قال الراغب وفي معناه قول أبي عبيدة الصدوع وأنشدوا قول عبيد الله بن عقبة بن مسعود

. شققت القلب ثم ذررت فيه *** هواك فليط فالتأم الفطور

وقول السدى الخروق وأريد بكل ذلك على ما يفهم من كلام بعض الأجلة الخلل وبه فسره قتادة وفسره ابن عباس بالوهن وجملة هل ترى الخ قال أبو حيان في موضع نصب بفعل معلق محذوف أي فانظر هل ترى أو ضمن فارجع البصر معنى فانظر ببصرك .