{ وأنذرهم هم الآزفة } يوم القيامة . وأصل معنى الآزفة : القريبة ؛ من أزف الرحيل – كفرح – أزفا وأزوفا : دنا وقرب ؛ ثم جعلت اسما للقيامة لقربها بالإضافة إلى ما مضى من عمر الدنيا أو لما بقي .
{ إذ القلوب لدى الحناجر } إذ قلوبهم مرتفعة عن مواضعها من صدورهم ، متشبثة بحلوقهم . والحناجر : جمع حنجور أو حنجرة ، وهي الحلقوم . { كاظمين } ممسكين عليها لا تخرج مع أنفاسهم ؛ كما يمسك صاحب القربة فمها لئلا يهراق الماء [ آية 134 آل عمران ص 125 ] . وهو كناية عن شدة الفزع وفرط الغم . { وما للظالمين من حميم } قريب مشفق . يقال : احتم فلان لفلان ، أي احتد ؛ فكأنه الذي يحتد حماية لذويه . ومنه قيل لخاصة الرجل : حامته ؛ ولذا فسر الحميم بالصديق .
{ 18 - 20 } { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } أي : يوم القيامة التي قد أزفت وقربت ، وآن الوصول إلى أهوالها وقلاقلها وزلازلها ، { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } أي : قد ارتفعت وبقيت أفئدتهم هواء ، ووصلت القلوب من الروع والكرب إلى الحناجر ، شاخصة أبصارهم . { كَاظِمِينَ } لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وكاظمين على ما في قلوبهم من الروع الشديد والمزعجات الهائلة .
{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي : قريب ولا صاحب ، { وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك ، ولو قدرت شفاعتهم ، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم ، فلا يقبلها .
ولما تم هذا على هذا الوجه المهول ، وكان يوم القيامة له أسماء تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله ، منها يوم البعث وهو ظاهر ، ومنها يوم التلاق لما تقدم ، ومنها يوم التغابن لغبن أكثر من فيه خسارته ، ومنها يوم الآزفة لقربه وسرعة أخذه ، وكان كأنه قيل خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم : وأمن ممن ألقينا إليك هذا الروح الأعظم من أمرنا فأنذرهم ما مضى من يوم التلاقي وما عقبناه به ، عطف عليه قوله زيادة في بيان هوله إعلاماً بأنه مع ثبوته وثبوت التلاقي فيه قريب تحذيراً من تزيين إبليس للشهوات وتقريره بالتسويف بالتوبة : { وأنذرهم } أي هؤلاء المعرضين إعراض من لا يجوز الممكن { يوم الآزفة } أي الحالة الدائبة العاجلة السريعة جداً مع الضيق في الوقت وسوء العيش لأكثر الناس ، وهي القيامة ، كرر ذكرها وذكر الإنذار منها تصريحاً وتلويحاً تهويلاً لها وتعظيماً لشأنها .
ولما ذكر اليوم ، هول أمره بما يحصل فيه من المشاق فقال : { إذ القلوب } أي من كل من حضره . ولما كان هذا الرعب على وجه غريب باطن ، عبر ب " لدى " فقال : { لدى الحناجر } أي حناجر المجموعين فيه إلا من شاء الله ، وهي جمع حنجور وهي الحلقوم وزناً ومعنى ، يعني أنها زالت عن أمكانها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج وصارت مواضعها من الأفئدة هواء ، وكانت الأفئدة معترضة كالشجا لا هي ترجع إلى مقارها فيستريحوا ولا تخرج فيموتوا .
ولما كان الحديث - وإن كان في الظاهر عن القلوب - إنما هو عن أصحابها ، جمع على طريقة جمع العقلاء ، وزاده حسناً أن القلوب محل الكظم ، وبها صلاح الجملة وفسادها ، وقد أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال : { كاظمين } أي ممتلئين خوفاً ورعباً وحزناً ، ساكتين مكروبين ، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم . ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم ، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات ، قال مستأنفاً : { ما للظالمين } أي العريقين في الظلم منهم { من حميم } أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم مزيل لكروبهم ، قال ابن برجان : والحميم : الماء الحار الناهي في الحرارة ، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضباً ، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظاً { ولا شفيع يطاع * } أي ليس لهم شفيع أصلاً لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع ، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك ، فيبرأ منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.