صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

{ وظن داود أنما فتناه } علم وأيقن أننا ابتليناه بما جرى في مجلس الحكومة{ فاستغفر ربه } لزلته بالنسبة لمقامه ومنزلته . { وخر راكعا } أي ساجدا لله تعالى . وعبر عنه بالركوع لأن في كل منهما انحناء ؛ ولذا كانت آية سجدة . { وأناب } رجع إلى الله تعالى بالتوبة من ارتكابه خلاف الأولى في هذه القصة . وحاصلها كما ذهب إليه أبو حيان وغيره : أن المتسورين المحراب كانوا إنسا ، وقد دخلوا إليه من غير المعتاد ، وفي غير وقت جلوسه للحكم ؛ ففزع منهم ظانا أنهم يريدون اغتياله ، إذ كان منفردا في محرابه ابتلاء منه تعالى له . فلما ظهر له أنهم جاءوا إليه في خصومة ليحكم بينهم ، وأن ما ظنه غير واقع استغفر من ذلك الظن ؛ حيث اختلف ولم يقع مظنونه ، وخر ساجدا منيبا إلى الله تعالى .

فغفر الله له ذلك الظن الذي ما كان ينبغي من مثله ؛ وحسنات الأبرار سيئات المقربين . ويقرب منه ما قيل : إنهم كانوا يقصدون قتله ، فوجدوا عنده أقواما فتصنعوا هذه الخصومة ؛ فعلم قصدهم ، وعزم أن ينتقم منهم ، فظن أن ذلك امتحان من الله تعالى له : هل يغضب لنفسه أم لا ؛ فاستغفر ربه مما عزم عليه لحق نفسه لعدوله عن العفو الأليق به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

فقال داود - لما سمع كلامه - ومن المعلوم من السياق السابق من كلامهما ، أن هذا هو الواقع ، فلهذا لم يحتج أن يتكلم الآخر ، فلا وجه للاعتراض بقول القائل : { لم حكم داود ، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر } ؟ { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } وهذه عادة الخلطاء والقرناء الكثير منهم ، فقال : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } لأن الظلم من صفة النفوس . { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } فإن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح ، يمنعهم من الظلم . { وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } كما قال تعالى { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } { وَظَنَّ دَاوُدُ } حين حكم بينهما { أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } أي : اختبرناه ودبرنا عليه هذه القضية ليتنبه { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } لما صدر منه ، { وَخَرَّ رَاكِعًا } أي : ساجدا { وَأَنَابَ } للّه تعالى بالتوبة النصوح والعبادة .