غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

{ قال } داود { لقد ظلمك بسؤال نعجتك } أضاف المصدر إلى المفعول الثاني وحذف الفاعل والمفعول الأوّل أي بسؤاله إياك نعجتك . وليس السؤال ههنا سؤال خضوع وتفضل وإنما هو سؤال مطالبة ومعازة . و{ إلى } متعلقة بفعل دل عليه السؤال تقديره بسؤال أي ليضمها إلى نعاجه ، أو ضمن السؤال معنى الإضافة كأنه قيل : بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه الطلب { وإن كثيراً من الخلطاء } الشركاء الذين خلطوا أموالهم واطلع بسبب ذلك بعضهم على أحوال البعض { ليبغي بعضهم على بعض } وقد تغلب الخلطة في الماشية . والشافعي يعتبرها في باب الزكاة إذا اتحد الفحل والراعي والمراح والمسقى وموضع الحلب ، فإن كانت للخليطين أربعون شاة فعليهما شاة . وعند أبي حنيفة لا شيء عليهما وإن كانت لأحدهما واحدة وللآخر تسع وتسعون فعلى الأوّل أداء جزء من مائة جزء من شاة واحدة وعلى الآخر الباقي . هذا عند الشافعي ، وعند أبي حنيفة لا شيء على ذي النعجة . ثم بين أن أكثر الخلطاء موسوم بسمة الظلم إلا المؤمنين وإنهم لقليل . " وما " في قوله { وقليل ما هم } مزيدة للإبهام ، وفيه تعجيب من قلتهم . وقال ابن عيسى : هي موصولة أي وقليل الذين هم كذلك . قصد نبيّ الله بذكر حال الخطاء في هذا المقام الموعظة الحسنة والترغيب في اختيار عادة الخلطاء الصلحاء لا التي عليها أكثرهم من الظلم والاعتداء ، وفيه تسلية للمظلوم عما جرى عليه من خليطه وإن له في أكثر الخلطاء أسوة { وظن داود إنما فتناه } أي ابتليناه وذلك أن القوم لما دخلوا عليه قاصدين قتله وإنه كان سلطاناً شديد القوّة وقد فزع منهم . ثم إنه مع ذلك عفا عنهم دخل قلبه شيء من العجب فحمله على الابتلاء { فاستغفر ربه } من تلك الحالة { وأناب } إلى الله واعترف بأن إقدامه على تلك الخلة لم يكن إلا بتوفيق الله .