ثم قال تعالى : { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } أي : قال داود للمتكلم منهما : لقد ظلمك صاحبك بسؤاله إياك أن يضم نعجتك إلى نعاجه .
{ وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض } أي : وإن كثيرا من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } .
قوله تعالى ذكره : { وظن داوود أنما فتناه } – إلى قوله – { الصافنات الجياد }[ 23-30 ] .
أي : وأيقن داود أنما اختبرناه .
{ فاستغفر ربه } أي : سائل ربه المغفرة .
{ وخر راكعا } أي : ساجدا لله .
{ وأناب } أي : رجع عن خطيئته وتاب منها .
وكان سبب اختبار الله عز وجل له – فيما ذكر ابن عباس – أن داود قال : يا رب ، قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لَوَدِدْتُ أنك أعطيتني مثله . فقال الله جل ذكره له : إني ابتليتهم بما لم أبتلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به ، وأعطيتك كما أعطيتهم ، قال : نعم ، فأقام ما شاء الله أن يقيم وطال ذلك حتى كاد أن ينساه . فبينما هو في محرابه إذ{[58169]} وقعت عليه حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة كانت في المحراب ، فذهب ليأخذها ، فطارت . فاطلع من الكوة فرأى امرأة تغتسل . فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم من المحراب وأرسل إليها ، فجاءته ، فسألها عن زوجها وعن شأنها ، فأخبرته أن زوجها غائب ، فكتب إلى أمير تلك السَِّريَّة أن يؤمِّره على السرايا ليهلك زوجها ، ففعل . فكان يصاب أصحابه وينجو وربما نصروا . وإن الله لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنفذه ، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسور{[58170]} عليه الخصمان من قبل وجهه . فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت ، وقال : لقد اسُتضعفت في مُلكي حتى إن الناس يتسورون علي في محرابي ، قالا له : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض فلم يكن لنا{[58171]} بد من أن نأتيكا فاسمع منا . قال أحدهما . { إن هذا أخي } – إلى قوله – { وعزني في الخطاب } .
قال له داود : أنت كنت أحوجَ إلى نعجتك منه ، لقد ظلمك بسؤاله إياك نعجتك ونسي نفسه صلى الله عليه وسلم . فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك ، فتبسم أحدهما إلى الآخر فرآه داود فعلم أنه فتن ، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من عينيه ثم شدد الله له ملكه{[58172]} .
روى ابن أبي الدنيا{[58173]} أن وهب بن منبه قال : لم يرفع داود عليه السلام رأسه من السجود حتى قال له الملكان{[58174]} : أول أمرك ذنب وآخره معصية ، ارفع رأسك ، فرفع رأسه .
وعن وهب أنه قال : لما رفع داود رأسه من ( السجدة{[58175]} رفع رأسه ) وقد زَمِنَ{[58176]} ورعش . قال : فاعتزل نساءه ثم بكى حتى خددت الدموع وجهه{[58177]} .
وقال عطاء الخراساني{[58178]} : ( إن داود نقش خطيئته في كفه لكي لا ينساها ، فكان إذا رآها اضطربت يداه{[58179]} .
وقال وهب بن منبه : كتب دواد في كفه : داود الخطاء .
وقال يحيى بن أبي كثير{[58180]} لما أصاب داود الخطيئة نفرت/ الوحوش من حوله ، فنادى : إلهي ، رُدَّ عليَّ الوحش كي آنس بها فرد الله تبارك وتعالى عليه الوحش فَأحطن به وأصغين بأسماعهن نحوه . قال : ورفع صوته يقرأ الزبور ويبكي على نفسه فنادته{[58181]} هيهات هيهات يا داود ، ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَثَلُ عَيْنَيْ داود{[58182]} عليه السلام مثل القِرْبَتَين تنطفان بالماء{[58183]} . لقد خددت الدموع وجه داود خديد الماء في الأرض " {[58184]} .
وروى أبو مسهر{[58185]} عن سعيد بن عبد العزيز{[58186]} أنه قال : لو جمعت دموع أهل الأرض إلى دموع آدم صلى الله عليه وسلم لكانت دموع آدم أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ودموع آدم إلى دموع ابن آدم الذي قتل أخاه لكانت دموع ابن آدم أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ، ودموع آدم ، ودموع ابن آدم إلى دموع يعقوب لكانت دموع يعقوب{[58187]} أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ودموع آدم ودموع آدم ودموع يعقوب إلى دموع داود لكانت دموع داود أكثر{[58188]} .
قال سعيد : ( كان داود يجلس على ستة أفرشة فيبكي قبيل الأول فيُرفع{[58189]} حتى يبللها{[58190]} كلها ، كلما بَلَّ واحدا رُفع ، وإن كان ليؤتى بالإناء ليشرب فما يفرغ منه حتى يتدفق من دموعه{[58191]} وروى إسماعيل بن عبيد الله{[58192]} : ( إن داود النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاتب في كثرة البكاء فيقول : ذروني أبكي قبل يوم البكاء ، قبل تحريق العظام واشتعال اللحى ، وقبل أن يؤمر بي { ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون }{[58193]} .
قال محمد بن المنكدر{[58194]} مكث آدم صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعين سنة ما يبدي عن واضحة ولا ترقئ له دمعة . فقالت له حواء : إنا قد استوحشنا إلى أصواب الملائكة فادع ربك فيسمعنا أصواتهم . فقال لها : ما زلت مستحييا من ربي عز وجل أن أرفع طرفي إلى أديم السماء مما صنعت .
وقال محمد بن خوات : إن داود النبي صلى الله عليه وسلم لما أطال البكاء على نفسه ، قيل له : اذهب إلى قبر زوج المرأة فاستوهبه ما صنعت ، فأتى القبر ، وأذن الله لصاحب القبر أن يتكلم ، فناداه : أنا داود ولك عندي مظلمة ، قال : قد غفر تهالك ، قال : فانصرف داود وقد طابت نفسه ، فأوحى الله عز وجل إليه أن ارجع فبين له الذي صنعت فرجع ، فأخبره ، فناداه صاحب القبر يا داود ، هكذا يفعل الأنبياء ! .
قال بكر بن عبيد الله المزني{[58195]} : مكث داود النبي عليه السلام ساجدا أربعين يوما يبكي على خطيئته حتى نبت{[58196]} البقل من دموعه ، ثم زفر زفرة فهاج العودة فاحترق ، فنودي أظمآن أنت فَتُسقَى ؟ أجائع فتطعم ؟ أعاري فتكسى ؟ قال : لا ، ولكن خطيئتي أثقلت ظهري ، فلم يرجع إليه بشيء ، فازداد بكاء حتى انقطع صوته ، فكان لا يُسمع له إلا كهيئة الأنين ، فعند ذلك غفر له .
وقال الحسن : بكاء داود عليه السلام بعدما غُفرت له الخطيئة أكثر من بكائه قبل المغفرة ، فقيل له : قد غُفر لك يا نبي الله ؟ ! قال : فكيف بالحياء من الله عز وجل .
قال كعب{[58197]} : كان داود عليه السلام يختار مجالسة المساكين ، ويُكثر البكاء ويقول : رب اغفر للمساكين والخطائين حتى تغفر لي معهم ، وكان قبل ذلك يدعو على الخطائين{[58198]} .
قال أبو عبد الرحمن الحبلي{[58199]} : ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد خطيئته حتى مات{[58200]} .
ورُوي أنه كان إذا ذكر عقاب الله عز وجل تخلعت{[58201]} أوصاله ، فإذا ذكر رحمة الله تراجعت{[58202]} .
وروى أشهب{[58203]} عن مالك{[58204]} أنه قال : بلغني أن تلك الحمامة أتت فوقعت قريبا من داود وهي من ذهب ، فلما رآها أعجبته فقام ليأخذها ، فكانت قرب يده ، ثم طارت فَأَتْبَعَهَا بصره ، فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغسل{[58205]} ولها شعر طويل .
فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموع عينيه .
ويراد بالركوع في الموضع : السجود .
قال السدي : كان دواد قد قسم الدهر ثلاثة أيام : يوما يقضي فيه بين الناس ويوما يخلو فيه لعبادة ربه عز وجل ، ويوما يخلو فيه لنسائه ، وكان له تسع وتسعون امرأة ، وكان فيما يقرأ من الكتب : فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم{[58206]} وسلم . فلما وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب : قال : يا رب ، إن الخير قد ذهب / به آبائي ، فأعطني مثل ما أعطيتهم . فأوحى الله إليه أن آباءك ابتلوا ببلاء لم تبتل به ، ابتلي إبراهيم بذبح ابنه فصبر ، وابتلي إسحاق بذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف ، وإنك لم تبتل أنت من ذلك الشيء{[58207]} . فقال : يا رب ، ابتلني بمثل ما ابتليتهم وأعطني مثل ما أعطيتهم .
قال : فأوحى الله عز وجل إليه أنك مبتلى فاحترس ، قال : فمكث ما شاء الله أن يمكث إذ جاء الشيطان وقد تمثل له في صورة حمامة من ذهب حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي قال : فمد يده ليأخذه{[58208]} فتنحى ، فتبعه فتباعد حتى وقع في كوة ، فذهب ليأخذه ، فطار من الكوة فنظر أين ( يقع فيبعث ){[58209]} في أثره ، قال : فأبصر امرأة تغتسل في{[58210]} سطح لها ، فرأى امرأة من أجمل الناس{[58211]} خَلْقا ، فحانت منها التفاتة فأبصرته ، فألقت شعرها فاستترت به . قال : فزاده ذلك فيها رغبة . قال : فسأل عنها فأخبر أن لها زوجا وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا ، ( قال : فبعث إلى صاحب المسلحة وأمره أن يبعث به إلى عدو كذا وكذا ){[58212]} قال : فبعثه ففتح له قال : فكتب إليه{[58213]} بذلك . قال فكتب إليه أن أبعثه إلى عدو كذا وكذا – أشد منهم بأسا – قال : فبعثه ففتح له أيضا ، ثم كتب إليه ثالثة فبعثه فقتل . قال : وتزوج امرأته ، فلما دخلت عليه لم تلبث عنده إلا يسيرا حتى بعث الله ملكين في صورة إنسيين فطلبا أن يدخلا عليه ، فتسورا عليه المحراب . قال : فما شعر وهو يصلي إلا وهما بين يديه جالسين قال : { ففزع منهم } ، فقالا : { لا تخف } لا تخف ، إنما نحن { خصمان بغى بعضنا على بعض } – إلى قوله – { سواء الصراط } قال : قصا قصتكما قال : فقال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، وهو يريد أخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائة !
فقال للآخر : ما تقول ؟ فقال : إن لي ( تسعا وتسعين ){[58214]} نعجة ولأخي هذا نعجة واحدة . قال{[58215]} : فأنا أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي مائة ؟ ! قال : ( وهو كاره ){[58216]} . قال : إذا ( لا ندعك ){[58217]} وذلك . قال : ما أتت على ذلك بقادر . قال : فإن ذهبت تروم ذلك ( أو لم ترد{[58218]} ذلك ضربنا منك هذا وهذا وهذا وهذا يريد طرف الأنف ، وأصل الأنف ، والجبهة قال : يا داود ، أنت أحق أن يضرب منه هذا وهذا وهذا حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لاوريا{[58219]} إلا امرأة واحدة ، ( فلم تزل ){[58220]} تعرضه للقتل حتى قُتل ، وتزوجت امرأته . قال : فنظر داود الرجلين فلم ير شيئا فعرف ما قد وقع فيه فخر ساجدا{[58221]} . – وهو موضع السجود عند مالك{[58222]} .
وروي أن رجلا من الأنصار – على عهد النبي صلى الله عليه وسلم – كان يصلي من الليل{[58223]} مستترا بشجرة وهو يقرأ ( ص ) ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدت معه الشجرة ، فسمعها وهي تقول : اللهم أعظم لي بهذه السجدة أجرا ، وارزقني بها شكرا ، وضع عني بها وزرا ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته .
فلما أصبح الرجل ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : " نحن أحق أن يقول ذلك " . فكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يقول ذلك{[58224]} .
قال عقبة بن عامر الجهني{[58225]} : من قرأ ( ص ) ولم يسجد فيها فلا عليه ألا يقرأ بها{[58226]} .
قال{[58227]} : فبكى أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة ، ثم يقع ساجدا يبكي حتى نبت العشب من دموع عينيه ، قال : فأوحى الله إليه بعد أربعين يوما : يا داود ، ارفع رأسك فقد غفرت لك . قال : يا رب ، كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء ، إذا جاء أوريا{[58228]} يوم القيامة آخذ رأسه بيمينه ، أو بشماله ، تشخب أوداجه دما ، يقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟
قال : فأوحى الله عز وجل إليه : إذا كان ذلك ( دعوت أوريا ){[58229]} .
فاستوهبتك منه ، فيهبك لي ، فأثيبه بذلك الجنة . قال : رب ، الآن علمت أنك قد غفرت لي . قال : فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياء من ربه حتى قبض صلى الله عليه وسلم{[58230]} .
وقيل : اسم الرجل أوريا بن حيان{[58231]} .
وقال الحسن : جزأ داود الدهر أربعة أجزاء : يوما لنسائه ، ويوما لعبادة ربه ، ويوما لقضاء بني إسرائيل ، ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ، ويبكيهم ويبكونه .
قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ، قال : ذَكَرُوا فقالوا : هل أتى على الإنسان يوم / لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك .
فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر ألا يدخل عليه أحد ، وأكب على التوراة .
فبينما هو يقرؤها إذا حمامة{[58232]} من ذهب ، فيها من كل لون ( حَسَنٍ{[58233]} ، قد وقعت بين يديه ، فأهوى إليها ليأخذها ، قال : فطارت فوقعت غير بعيدة من غير أن تؤيه من نفسها . قال : فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها . قال : فلما رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها فزاده{[58234]} ذلك إعجابا بها . وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه ، فكتب إليه أن يسر إلى مكان كذا وكذا – مكانٌ إذا صار إليه لم يرجع – قال : ففعل ، فأصيب ، فخطبها ، فتزوجها{[58235]} .
قال قتادة : بلغنا أنها أم سليمان{[58236]} .
قال الحسن : فبينما هو في المحراب إذ تسور الملكان عليه – وكان الخصمان إذا أتوه يأتونه من باب المحراب – ففزع منهم حين تسوروا المحراب ، فقالا : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض{[58237]} . وذكر نحو الحديثين المتقدمين .
وقيل : إن خطيئته هي قوله : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه من غير ثبت بينة ولا إقرار من الخصم ولا سؤال لخصمه : هل كان هذا هكذا أو لم يكن . وهو قول شاذ .
وقال ابن الأعرابي{[58238]} : قال كعب : سجد داود نبي الله صلى الله عليه وسلم أربعين ليلة لم يرفع رأسه حتى رقأ دمعه ويبس رأسه . فكان من آخر دعائه وهو ساجد أن قال : يا رب رزقتني العافية ، فسألتك البلاء ، فلما ابتليتني لم أصبر فإن تعذبني فأنا أهل ذلك ، وإن تغفر لي فأنت أهل ذلك – يقولها في نفسه – فعلم الله عز وجل ما قال فإذا جبريل عليه السلام على رأسه قائم يقول له : يا داود ، إن الله قد غفر لك فارفع رأسك فلم يلتفت إليه ، وناجى ربه وهو ساجد فقال : يا رب ، وكيف تغفر لي وأنت الحكم العدل ، وقد فعلت بالرجل ما فعلت ؟ قال : فنزل الوحي عليه : صدقت يا داود أنا الحكم العدل ، ولكن إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا سلما ، ثم استوهبتك منه ، فيهلك لي ، فأثيبه الجنة . قال داود : الآن أعلم أنك قد غفرت لي . قال : فذهب داود يرفع رأسه فإذا هو يابس لا يستطيع . قال : فمسحه جبريل عليه السلام بريشة فانبسط . قال : فأوحى الله عز وجل إليه بعد ذلك : يا داود : قد أحللت لك امرأة أوريا فتزوجها ، فتزوجها{[58239]} داود صلى الله عليه وسلم ، فولدت له سليمان عليه السلام ، لم تلد قبله شيئا ولا بعده .
قال كعب : فوالله لقد كان داود بعد ذلك ليظل صائما في اليوم الحار{[58240]} فيقرب إليه الشراب فإذا قربه إلى فيه ذكر خطيئته فيبكي في الشراب حتى يفيض ثم يرده ولا يشربه{[58241]} .
وروى الأوزاعي{[58242]} عن بعض أهل المدينة أنه قال : مثل عيني داود كمثل القربتين تنطفان الماء ، لقد خدد الدمع في وجهه كخديد الماء في الأرض .
ويروى أن داود بات لربه عز وجل مصليا حتى أصبح فذهب إلى نهر ليتوضأ ، فقال : الحمد لله ، لقد عبدت الله الليلة عبادة ما عبد أحد إياها من أهل الأرض .
فَكَلَّمَه ضفدع من الماء فقالت : جلا{[58243]} يا أباب سليمان ، فوالله إن لي لثلاثا من الدهر ما جمعت بين فقمي تسبيحا لله .
وروي عن ابن مسعود وابن عباس أن داود عليه السلام ما زاد على أن قال للرجل : انزل لي عن امرأتك ، فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه{[58244]} .