الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

ثم قال تعالى : { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } أي : قال داود للمتكلم منهما : لقد ظلمك صاحبك بسؤاله إياك أن يضم نعجتك إلى نعاجه .

{ وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض } أي : وإن كثيرا من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } .

قوله تعالى ذكره : { وظن داوود أنما فتناه } – إلى قوله – { الصافنات الجياد }[ 23-30 ] .

أي : وأيقن داود أنما اختبرناه .

{ فاستغفر ربه } أي : سائل ربه المغفرة .

{ وخر راكعا } أي : ساجدا لله .

{ وأناب } أي : رجع عن خطيئته وتاب منها .

وكان سبب اختبار الله عز وجل له – فيما ذكر ابن عباس – أن داود قال : يا رب ، قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لَوَدِدْتُ أنك أعطيتني مثله . فقال الله جل ذكره له : إني ابتليتهم بما لم أبتلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به ، وأعطيتك كما أعطيتهم ، قال : نعم ، فأقام ما شاء الله أن يقيم وطال ذلك حتى كاد أن ينساه . فبينما هو في محرابه إذ{[58169]} وقعت عليه حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة كانت في المحراب ، فذهب ليأخذها ، فطارت . فاطلع من الكوة فرأى امرأة تغتسل . فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم من المحراب وأرسل إليها ، فجاءته ، فسألها عن زوجها وعن شأنها ، فأخبرته أن زوجها غائب ، فكتب إلى أمير تلك السَِّريَّة أن يؤمِّره على السرايا ليهلك زوجها ، ففعل . فكان يصاب أصحابه وينجو وربما نصروا . وإن الله لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنفذه ، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسور{[58170]} عليه الخصمان من قبل وجهه . فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت ، وقال : لقد اسُتضعفت في مُلكي حتى إن الناس يتسورون علي في محرابي ، قالا له : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض فلم يكن لنا{[58171]} بد من أن نأتيكا فاسمع منا . قال أحدهما . { إن هذا أخي } – إلى قوله – { وعزني في الخطاب } .

قال له داود : أنت كنت أحوجَ إلى نعجتك منه ، لقد ظلمك بسؤاله إياك نعجتك ونسي نفسه صلى الله عليه وسلم . فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك ، فتبسم أحدهما إلى الآخر فرآه داود فعلم أنه فتن ، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من عينيه ثم شدد الله له ملكه{[58172]} .

روى ابن أبي الدنيا{[58173]} أن وهب بن منبه قال : لم يرفع داود عليه السلام رأسه من السجود حتى قال له الملكان{[58174]} : أول أمرك ذنب وآخره معصية ، ارفع رأسك ، فرفع رأسه .

وعن وهب أنه قال : لما رفع داود رأسه من ( السجدة{[58175]} رفع رأسه ) وقد زَمِنَ{[58176]} ورعش . قال : فاعتزل نساءه ثم بكى حتى خددت الدموع وجهه{[58177]} .

وقال عطاء الخراساني{[58178]} : ( إن داود نقش خطيئته في كفه لكي لا ينساها ، فكان إذا رآها اضطربت يداه{[58179]} .

وقال وهب بن منبه : كتب دواد في كفه : داود الخطاء .

وقال يحيى بن أبي كثير{[58180]} لما أصاب داود الخطيئة نفرت/ الوحوش من حوله ، فنادى : إلهي ، رُدَّ عليَّ الوحش كي آنس بها فرد الله تبارك وتعالى عليه الوحش فَأحطن به وأصغين بأسماعهن نحوه . قال : ورفع صوته يقرأ الزبور ويبكي على نفسه فنادته{[58181]} هيهات هيهات يا داود ، ذهبت الخطيئة بحلاوة صوتك .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَثَلُ عَيْنَيْ داود{[58182]} عليه السلام مثل القِرْبَتَين تنطفان بالماء{[58183]} . لقد خددت الدموع وجه داود خديد الماء في الأرض " {[58184]} .

وروى أبو مسهر{[58185]} عن سعيد بن عبد العزيز{[58186]} أنه قال : لو جمعت دموع أهل الأرض إلى دموع آدم صلى الله عليه وسلم لكانت دموع آدم أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ودموع آدم إلى دموع ابن آدم الذي قتل أخاه لكانت دموع ابن آدم أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ، ودموع آدم ، ودموع ابن آدم إلى دموع يعقوب لكانت دموع يعقوب{[58187]} أكثر ، ولو جمعت دموع أهل الأرض ودموع آدم ودموع آدم ودموع يعقوب إلى دموع داود لكانت دموع داود أكثر{[58188]} .

قال سعيد : ( كان داود يجلس على ستة أفرشة فيبكي قبيل الأول فيُرفع{[58189]} حتى يبللها{[58190]} كلها ، كلما بَلَّ واحدا رُفع ، وإن كان ليؤتى بالإناء ليشرب فما يفرغ منه حتى يتدفق من دموعه{[58191]} وروى إسماعيل بن عبيد الله{[58192]} : ( إن داود النبي صلى الله عليه وسلم كان يعاتب في كثرة البكاء فيقول : ذروني أبكي قبل يوم البكاء ، قبل تحريق العظام واشتعال اللحى ، وقبل أن يؤمر بي { ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون }{[58193]} .

قال محمد بن المنكدر{[58194]} مكث آدم صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعين سنة ما يبدي عن واضحة ولا ترقئ له دمعة . فقالت له حواء : إنا قد استوحشنا إلى أصواب الملائكة فادع ربك فيسمعنا أصواتهم . فقال لها : ما زلت مستحييا من ربي عز وجل أن أرفع طرفي إلى أديم السماء مما صنعت .

وقال محمد بن خوات : إن داود النبي صلى الله عليه وسلم لما أطال البكاء على نفسه ، قيل له : اذهب إلى قبر زوج المرأة فاستوهبه ما صنعت ، فأتى القبر ، وأذن الله لصاحب القبر أن يتكلم ، فناداه : أنا داود ولك عندي مظلمة ، قال : قد غفر تهالك ، قال : فانصرف داود وقد طابت نفسه ، فأوحى الله عز وجل إليه أن ارجع فبين له الذي صنعت فرجع ، فأخبره ، فناداه صاحب القبر يا داود ، هكذا يفعل الأنبياء ! .

قال بكر بن عبيد الله المزني{[58195]} : مكث داود النبي عليه السلام ساجدا أربعين يوما يبكي على خطيئته حتى نبت{[58196]} البقل من دموعه ، ثم زفر زفرة فهاج العودة فاحترق ، فنودي أظمآن أنت فَتُسقَى ؟ أجائع فتطعم ؟ أعاري فتكسى ؟ قال : لا ، ولكن خطيئتي أثقلت ظهري ، فلم يرجع إليه بشيء ، فازداد بكاء حتى انقطع صوته ، فكان لا يُسمع له إلا كهيئة الأنين ، فعند ذلك غفر له .

وقال الحسن : بكاء داود عليه السلام بعدما غُفرت له الخطيئة أكثر من بكائه قبل المغفرة ، فقيل له : قد غُفر لك يا نبي الله ؟ ! قال : فكيف بالحياء من الله عز وجل .

قال كعب{[58197]} : كان داود عليه السلام يختار مجالسة المساكين ، ويُكثر البكاء ويقول : رب اغفر للمساكين والخطائين حتى تغفر لي معهم ، وكان قبل ذلك يدعو على الخطائين{[58198]} .

قال أبو عبد الرحمن الحبلي{[58199]} : ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد خطيئته حتى مات{[58200]} .

ورُوي أنه كان إذا ذكر عقاب الله عز وجل تخلعت{[58201]} أوصاله ، فإذا ذكر رحمة الله تراجعت{[58202]} .

وروى أشهب{[58203]} عن مالك{[58204]} أنه قال : بلغني أن تلك الحمامة أتت فوقعت قريبا من داود وهي من ذهب ، فلما رآها أعجبته فقام ليأخذها ، فكانت قرب يده ، ثم طارت فَأَتْبَعَهَا بصره ، فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغسل{[58205]} ولها شعر طويل .

فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموع عينيه .

ويراد بالركوع في الموضع : السجود .

قال السدي : كان دواد قد قسم الدهر ثلاثة أيام : يوما يقضي فيه بين الناس ويوما يخلو فيه لعبادة ربه عز وجل ، ويوما يخلو فيه لنسائه ، وكان له تسع وتسعون امرأة ، وكان فيما يقرأ من الكتب : فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم{[58206]} وسلم . فلما وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب : قال : يا رب ، إن الخير قد ذهب / به آبائي ، فأعطني مثل ما أعطيتهم . فأوحى الله إليه أن آباءك ابتلوا ببلاء لم تبتل به ، ابتلي إبراهيم بذبح ابنه فصبر ، وابتلي إسحاق بذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف ، وإنك لم تبتل أنت من ذلك الشيء{[58207]} . فقال : يا رب ، ابتلني بمثل ما ابتليتهم وأعطني مثل ما أعطيتهم .

قال : فأوحى الله عز وجل إليه أنك مبتلى فاحترس ، قال : فمكث ما شاء الله أن يمكث إذ جاء الشيطان وقد تمثل له في صورة حمامة من ذهب حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي قال : فمد يده ليأخذه{[58208]} فتنحى ، فتبعه فتباعد حتى وقع في كوة ، فذهب ليأخذه ، فطار من الكوة فنظر أين ( يقع فيبعث ){[58209]} في أثره ، قال : فأبصر امرأة تغتسل في{[58210]} سطح لها ، فرأى امرأة من أجمل الناس{[58211]} خَلْقا ، فحانت منها التفاتة فأبصرته ، فألقت شعرها فاستترت به . قال : فزاده ذلك فيها رغبة . قال : فسأل عنها فأخبر أن لها زوجا وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا ، ( قال : فبعث إلى صاحب المسلحة وأمره أن يبعث به إلى عدو كذا وكذا ){[58212]} قال : فبعثه ففتح له قال : فكتب إليه{[58213]} بذلك . قال فكتب إليه أن أبعثه إلى عدو كذا وكذا – أشد منهم بأسا – قال : فبعثه ففتح له أيضا ، ثم كتب إليه ثالثة فبعثه فقتل . قال : وتزوج امرأته ، فلما دخلت عليه لم تلبث عنده إلا يسيرا حتى بعث الله ملكين في صورة إنسيين فطلبا أن يدخلا عليه ، فتسورا عليه المحراب . قال : فما شعر وهو يصلي إلا وهما بين يديه جالسين قال : { ففزع منهم } ، فقالا : { لا تخف } لا تخف ، إنما نحن { خصمان بغى بعضنا على بعض } – إلى قوله – { سواء الصراط } قال : قصا قصتكما قال : فقال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، وهو يريد أخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائة !

فقال للآخر : ما تقول ؟ فقال : إن لي ( تسعا وتسعين ){[58214]} نعجة ولأخي هذا نعجة واحدة . قال{[58215]} : فأنا أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي مائة ؟ ! قال : ( وهو كاره ){[58216]} . قال : إذا ( لا ندعك ){[58217]} وذلك . قال : ما أتت على ذلك بقادر . قال : فإن ذهبت تروم ذلك ( أو لم ترد{[58218]} ذلك ضربنا منك هذا وهذا وهذا وهذا يريد طرف الأنف ، وأصل الأنف ، والجبهة قال : يا داود ، أنت أحق أن يضرب منه هذا وهذا وهذا حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لاوريا{[58219]} إلا امرأة واحدة ، ( فلم تزل ){[58220]} تعرضه للقتل حتى قُتل ، وتزوجت امرأته . قال : فنظر داود الرجلين فلم ير شيئا فعرف ما قد وقع فيه فخر ساجدا{[58221]} . – وهو موضع السجود عند مالك{[58222]} .

وروي أن رجلا من الأنصار – على عهد النبي صلى الله عليه وسلم – كان يصلي من الليل{[58223]} مستترا بشجرة وهو يقرأ ( ص ) ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدت معه الشجرة ، فسمعها وهي تقول : اللهم أعظم لي بهذه السجدة أجرا ، وارزقني بها شكرا ، وضع عني بها وزرا ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته .

فلما أصبح الرجل ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : " نحن أحق أن يقول ذلك " . فكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يقول ذلك{[58224]} .

قال عقبة بن عامر الجهني{[58225]} : من قرأ ( ص ) ولم يسجد فيها فلا عليه ألا يقرأ بها{[58226]} .

قال{[58227]} : فبكى أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة ، ثم يقع ساجدا يبكي حتى نبت العشب من دموع عينيه ، قال : فأوحى الله إليه بعد أربعين يوما : يا داود ، ارفع رأسك فقد غفرت لك . قال : يا رب ، كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء ، إذا جاء أوريا{[58228]} يوم القيامة آخذ رأسه بيمينه ، أو بشماله ، تشخب أوداجه دما ، يقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟

قال : فأوحى الله عز وجل إليه : إذا كان ذلك ( دعوت أوريا ){[58229]} .

فاستوهبتك منه ، فيهبك لي ، فأثيبه بذلك الجنة . قال : رب ، الآن علمت أنك قد غفرت لي . قال : فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياء من ربه حتى قبض صلى الله عليه وسلم{[58230]} .

وقيل : اسم الرجل أوريا بن حيان{[58231]} .

وقال الحسن : جزأ داود الدهر أربعة أجزاء : يوما لنسائه ، ويوما لعبادة ربه ، ويوما لقضاء بني إسرائيل ، ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ، ويبكيهم ويبكونه .

قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ، قال : ذَكَرُوا فقالوا : هل أتى على الإنسان يوم / لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك .

فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر ألا يدخل عليه أحد ، وأكب على التوراة .

فبينما هو يقرؤها إذا حمامة{[58232]} من ذهب ، فيها من كل لون ( حَسَنٍ{[58233]} ، قد وقعت بين يديه ، فأهوى إليها ليأخذها ، قال : فطارت فوقعت غير بعيدة من غير أن تؤيه من نفسها . قال : فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها . قال : فلما رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها فزاده{[58234]} ذلك إعجابا بها . وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه ، فكتب إليه أن يسر إلى مكان كذا وكذا – مكانٌ إذا صار إليه لم يرجع – قال : ففعل ، فأصيب ، فخطبها ، فتزوجها{[58235]} .

قال قتادة : بلغنا أنها أم سليمان{[58236]} .

قال الحسن : فبينما هو في المحراب إذ تسور الملكان عليه – وكان الخصمان إذا أتوه يأتونه من باب المحراب – ففزع منهم حين تسوروا المحراب ، فقالا : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض{[58237]} . وذكر نحو الحديثين المتقدمين .

وقيل : إن خطيئته هي قوله : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه من غير ثبت بينة ولا إقرار من الخصم ولا سؤال لخصمه : هل كان هذا هكذا أو لم يكن . وهو قول شاذ .

وقال ابن الأعرابي{[58238]} : قال كعب : سجد داود نبي الله صلى الله عليه وسلم أربعين ليلة لم يرفع رأسه حتى رقأ دمعه ويبس رأسه . فكان من آخر دعائه وهو ساجد أن قال : يا رب رزقتني العافية ، فسألتك البلاء ، فلما ابتليتني لم أصبر فإن تعذبني فأنا أهل ذلك ، وإن تغفر لي فأنت أهل ذلك – يقولها في نفسه – فعلم الله عز وجل ما قال فإذا جبريل عليه السلام على رأسه قائم يقول له : يا داود ، إن الله قد غفر لك فارفع رأسك فلم يلتفت إليه ، وناجى ربه وهو ساجد فقال : يا رب ، وكيف تغفر لي وأنت الحكم العدل ، وقد فعلت بالرجل ما فعلت ؟ قال : فنزل الوحي عليه : صدقت يا داود أنا الحكم العدل ، ولكن إذا كان يوم القيامة دفعتك إلى أوريا سلما ، ثم استوهبتك منه ، فيهلك لي ، فأثيبه الجنة . قال داود : الآن أعلم أنك قد غفرت لي . قال : فذهب داود يرفع رأسه فإذا هو يابس لا يستطيع . قال : فمسحه جبريل عليه السلام بريشة فانبسط . قال : فأوحى الله عز وجل إليه بعد ذلك : يا داود : قد أحللت لك امرأة أوريا فتزوجها ، فتزوجها{[58239]} داود صلى الله عليه وسلم ، فولدت له سليمان عليه السلام ، لم تلد قبله شيئا ولا بعده .

قال كعب : فوالله لقد كان داود بعد ذلك ليظل صائما في اليوم الحار{[58240]} فيقرب إليه الشراب فإذا قربه إلى فيه ذكر خطيئته فيبكي في الشراب حتى يفيض ثم يرده ولا يشربه{[58241]} .

وروى الأوزاعي{[58242]} عن بعض أهل المدينة أنه قال : مثل عيني داود كمثل القربتين تنطفان الماء ، لقد خدد الدمع في وجهه كخديد الماء في الأرض .

ويروى أن داود بات لربه عز وجل مصليا حتى أصبح فذهب إلى نهر ليتوضأ ، فقال : الحمد لله ، لقد عبدت الله الليلة عبادة ما عبد أحد إياها من أهل الأرض .

فَكَلَّمَه ضفدع من الماء فقالت : جلا{[58243]} يا أباب سليمان ، فوالله إن لي لثلاثا من الدهر ما جمعت بين فقمي تسبيحا لله .

وروي عن ابن مسعود وابن عباس أن داود عليه السلام ما زاد على أن قال للرجل : انزل لي عن امرأتك ، فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه{[58244]} .


[58169]:ح: إذا.
[58170]:ع وح: تصور. وهو تقويم لازم.
[58171]:ح: منا.
[58172]:انظر: المحرر الوجيز 14/91 وجاء في الدر المنثور 7/157 بزيادة ونقص.
[58173]:هو عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا أبو بكر القرشي الأموي، مولاهم، البغدادي حافظ للحديث، مكثر من التصنيف له عدة كتب منها: (الفرج بعد الشدة) وقرى الضيف (توفي ببغداد سنة 281 هـ. انظر: فهرس ابن خير 282، وفوات الوفيات 1/236.
[58174]:ح: الملك.
[58175]:ح: السجود.
[58176]:يقال رجل زمن، أي: مبتلى بين الزمانة، والزمانة العاهة. الصحاح، اللسان (مادة: زمن).
[58177]:انظر: الدر المنثور 7/165.
[58178]:هو عطاء بن مسلم بن مسيرة، من فقهاء خراسان، نزل بيت المقدس. كان يغزو ويكثر من التهجد في الليل. توفي سنة 135 هـ. انظر: طبقات ابن مسعد 7/369، وطبقات الفقهاء 93، وشذرات الذهب 1/192.
[58179]:انظر: جامع البيان 23/94 وجاء في الدر المنثور 7/164 بلفظه.
[58180]:هو يحيى بن صالح الطائي بالولاء، اليمامي، أبو نصر بن أبي كثير، بصري، أقام بالمدينة، ثم باليمامة. فتن أيام بني أمية. وكان من ثقات أهل الحديث توفي سنة 129 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/123 ت 115 وتقريب التهذيب 2/356 ت 158.
[58181]:ح: فنادى.
[58182]:(ح) (ح): إنما مثل.
[58183]:(ح): الماء.
[58184]:نسب السيوطي تخريجه في الدر المنثور 7/163 إلى أحمد في الزهد والحكيم الترمذي عن الأوزاعي ولكني لم أقف عليه.
[58185]:هو عبد الله بن مسهر الغساني الدمشقي، أبو مسهر، من حفاظ الحديث، عالم بالمغازي وأيام الناس وأنساب الشاميين، أمتحنه المأمون العباسي لرفضه القول بخلق القرآن. توفي سنة 218. انظر: تاريخ بغداد 11/72 ت 5750، وتذكرة الحفاظ 1/381 ت 379.
[58186]:هو سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى، أبو محمد التنوخي الدمشقي مقرئ فقيه. روى عن نافع والزهري، وروى عنه شعبة والثوري. توفي سنة 167 هـ. انظر: حلية الأولياء 6/124 ت 352، وتذكرة الحفاظ 219 ت 205.
[58187]:ح: يعقوب صلى الله عليه وسلم.
[58188]:جاء في الدر المنثور 7/164: عن علقمة بن يزيد مختصرا. وانظر: الكشف والبيان 229.
[58189]:ع: فترفع. وما في ح موافق لما في الكشف والبيان 229.
[58190]:ح: يليها.
[58191]:انظر: الكشف والبيان 230.
[58192]:هو إسماعيل عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، أبو عبد الحميد، كان فقيها فاضلا ورعا، تابعي، توفي بالقيروان سنة 132. انظر: الكامل لابن الأثير 5/77، وأعلام الزركلي 1/319.
[58193]:التحريم: 6 وانظر: الدر المنثور 7/164.
[58194]:هو محمد بن المنكدر عبد الله القرشي التيمي، أبو عبد الله المدني. إمام حافظ، روى عن عائشة وأبي هريرة، وروى عنه زيد بن أسلم والزهري وطائفة توفي سنة 130 هـ وقيل 136 انظر: الحلية 3/146 ت 230، وتذكرة الحفاظ 1/127 ت 114.
[58195]:هو بكر بن عبد الرحمن بن عيسى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي القاضي، ويقال له بكر بن عبيد. ثقة في الحديث توفس سنة 211. وقيل غير ذلك. انظر: الصفوة 3/248 ت 505، وغاية النهاية 1/178 ت 830، وتقريب التهذيب 1/106 ت 118.
[58196]:جاء في تفسير الثوري 258، والدر المنثور 7/164 عن مجاهد وورد في تفسير ابن كثير 4/32 مختصرا و مجهول القائل.
[58197]:هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق، المعروف بكعب الأخبار، من مُسْلَمِةِ أهل الكتاب. ثقة حافظ. روى عن عمر وصهيب، وروى عنه أبو هريرة وابن عباس. توفي سنة 32 هـ انظر: الحلية 5/364، وتذكرة الحفاظ 1/52 ت 33.
[58198]:جاء في الدر المنثور 7/165 عن معممر.
[58199]:هو عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن الحبلي – بسكون الباء وضمها – منسوب إلى بني الحبلي: بطن من الأنصار. ثقة. انظر: تقريب التهذيب 1/462 ت 749، ورياض النفوس 1/99.
[58200]:ورد في الكشف والبيان 229 عن أبي عبد الله الجالي.
[58201]:ع: خلعت. وما في ح موافق للكشف والبيان 229.
[58202]:ورد في الكشف والبيان 229 عن ثابت.
[58203]:هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي، أبو عمرو المصري فقيه، ثقة. روى عن مالك توفي بمصر سنة 204 هـ. انظر: وفيات الأعيان 1/238ت100، وتهذيب التهذيب 1/359 ت 654.
[58204]:هو مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله، إمام دار الهجرة، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. حدث عن نافع والزهري وغيرهما. وحدث عن ابن وهب والقاسم توفي سنة 179. انظر: تذكرة الحفاظ 1/207 ت199، والديباج المذهب 17.
[58205]:ح: تغتسل.
[58206]:ح: عليه.
[58207]:ح: بشيء.
[58208]:ح: ليأخذها.
[58209]:ح: تقع فتبعه.
[58210]:ح: على.
[58211]:ح:" النساء.
[58212]:ساقط من ح.
[58213]:ح: إليه أيضا.
[58214]:ع: تسعة وتسعون.
[58215]:ساقط من ح.
[58216]:ساقط من ح.
[58217]:ع: لا يدعك.
[58218]:ح: أو تريد.
[58219]:في طرة ح.
[58220]:ح: فلم تزل به.
[58221]:سيأتي توثيق هذا النقل بعد هذه الفقرة العارضة.
[58222]:وقد خالف الإمام مالكا – في القول بأن هذا موضع السجود – أبو بكر ابن العربي والإمام الشافعي. يقول ابن العربي في أحكام القرآن 4/1640: (والذي عندي أنها ليست موضع سجود، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها، فسجدنا للافتداء به). ويقول الهراسي في أحكام القرآن: (لا يرى فيه الشافعي سجدة لها، لأنه لا يرى التعلق بشريعة من قبلنا، ولأنها توبة...)
[58223]:ح: كان يصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والمتفق عليه من مصادر توثيق هذا الحديث أو هذه لواقعة كانت رؤيا في المنام. وعليه فإن الأنسب – والله أعلم – أن تقول: (رأى في المنام أنه كان يصلي من الليل...)
[58224]:أخرجه ابن ماجة الكتاب 5 (إقامة الصلاة) الباب 70 (سجود القرآن) ح 1053، والبيهقي 2/320 كتاب الصلاة كلاهما عن ابن عباس بمعناه. وانظره أيضا في أحكام القرآن لابن العربي 4/1640، وتفسير ابن كثير 4/32، والدر المنثور 7/166 كلهم عن ابن عباس. وفي المحرر الوجيز 14/26 عن أبي سعيد الخدري بمعناه.
[58225]:هو عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني، صحابي، كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين مع معاوية وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص. كان فقيها، قارئا، وهو أحد من جمع القرآن. توفي بمصر سنة 58 هـ. انظر: حلية الأولياء 2/8 ت 86، وجمهرة أنساب العرب 444، والإصابة 2/489 ت 5601.
[58226]:انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4/1640. هو في مسند الحميدي 1/241 ح 477 عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في (ص)، وليست من عزائم السجود).
[58227]:استئناف قول السدي.
[58228]:ح: أهريا.
[58229]:ح: دعوة أهريا.
[58230]:انظر: جامع البيان 23/93 وجاء في المحرر الوجيز 14/20 مع زيادة ونقص. وانظر: الدر المنثور 7/159.
[58231]:ح: حنان.
[58232]:متآكل في ح.
[58233]:ح: حسين.
[58234]:ح: فزادت.
[58235]:انظر: جامع البيان 23/94، والدر المنثور 7/158.
[58236]:ح: سليمان صلى الله عليه وسلم. وانظر: جامع البيان 23/94.
[58237]:انظر: جامع البيان 23/94.
[58238]:هو محمد بن زياد الكوفي، أبو عبد الله، لغوي، نحوي، راوية لأشعارالقبائل، نسابة، أخذ عن الكسائي وابن السكيت. وأخذ عنه الأصمعي توفي سنة 231 هـ. وانظر: تاريخ بغداد 5/282 ت 2781، ووفيات الأعيان 4/306 ت 233 وبغية الوعاة 1/105 ت 174.
[58239]:ح: قال فتزوجها.
[58240]:ح: الحر.
[58241]:انظر: الدر المنثور 7/162.
[58242]:هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي الدمشقي. أبو عمير، فقيه، محدث. روى عن قتادة وعطاء. وروى عنه يحيى بن أبي كثير ويحيى بن حمزة توفي سنة 157 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/183 ت 187، وتقريب التهذيب 1/493 ت 1064.
[58243]:كذا في ع: (جلا) وهي في ح: (حلا) ولعل المراد (هونا).
[58244]:إن أغلب هذه الروايات التي تحكي سبب ابتلاء داود وغرامه بزوجة أوريا، والزج به في ساحة الوغى للتعجيل بموته هي من الإسرائيليات التي لا سند صحيحا لها. ولهذا فقد فند العلماء هذه الروايات وردوها. يقول الإمام ابن كثير في تفسيره 4/32. (ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه). وانظر: معاني الزجاج 4/328، وروح المعاني 23/185. بل إن الإمام عليا كرم الله وجهه ذهب إلى أن (من قال: إن داود عليه السلام قارف من هذه المرأة ريبة جلدته مائة وستين جلدة). عن معاني الزجاج 4/328 وانظر: أيضا المحرر الوجيز 14/21 وروح المعاني 23/185، وتفسير مجهول بالحفيانية (5) والإسرائيليات والموضوعات 269.