مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ لَقَدۡ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعۡجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦۖ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَقَلِيلٞ مَّا هُمۡۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ۩} (24)

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ } حتى يكون محجوجاً بحكمه . وهذا جواب قسم محذوف وفي ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الإضافة فعدي تعديتها كأنه قيل : بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب . وإنما ظلّم الآخر بعدما اعترف به خصمه ولكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم .

ويُروى أنه قال : أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة فقال داود : إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا وأشار إلى طرف الأنف والجبهة . فقال : يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت . ثم نظر داود فلم ير أحداً فعرف ما وقع فيه { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخلطآء } الشركاء والأصحاب { لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إِلاَّ الذين ءَأمَنُوا وَعَملُوا الصالحات } المستنثى منصوب وهو من الجنس والمستثنى منه بعضهم { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } { مَا } للابهام و { هُمْ } مبتدأ و { قَلِيلٌ } خبره { وَظَنَّ دَاوُدُ } أي علم وأيقن وإنما استعير له لأن الظن الغالب يداني العلم { أَنَّمَا فتناه } ابتليناه { فاستغفر رَبَّهُ } لزلته { وَخَرَّ رَاكِعاً } أي سقط على وجهه ساجداً لله ، وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة إذا نوي لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعاً عند هذه التلاوة والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة { وَأَنَابَ } ورجع إلى الله بالتوبة .

وقيل : إنه بقي ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة أو ما لا بد منه ، ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع