صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ ذَٰلِكَ تَخۡفِيفٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةٞۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (178)

{ كتب عليكم القصاص } أي فرض عليكم . من الكتب ، وهو في الأصل ضم أديم إلى أديم بالخياطة . وتعورف في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط ، وأطلق على المضموم في اللفظ وإن لم يكتب بالخط ، ومنه الكتابة . ويطلق الكتب والكتاب والكتابة على الإيجاب والفرض ، لأن الشأن فيما يوجب ويفرض أن يراد ثم يقال ثم يكتب ، ومنه { كتب عليكم الصيام }{[51]} ، { كتب الله عليهم الجلاء }{[52]} .

" والقصاص " : تتبع الدم بالقود . وأصله من القص ، وهو تتبع الأثر . يقال : قص أثره أي تتبعه .

ومنه : القصة والقصص ، لما فيهما من التتبع .

{ فمن عفي له . . . }أي فالقاتل عمدا إذا عفي له عن جنايته من جهة أخيه ولي الدم ، بأن صفح عنه من القصاص الواجب عليه ، ورضي منه بالدية بدل الدم ، فالواجب إتباع ولي الدم له بالمعروف بألا يأخذ منه أكثر من حقه ولا يرهقه ، وأداء القاتل إليه الدية أداء حسنا لا مطل فيه ولا بخس .

{ ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } ففي شرع العفو تسهيل على القاتل ، وفي شرع الدية نفع لأولياء المقتول . وقد كتب على اليهود : القصاص وحده ، وحرم عليهم أخذ الدية والعفو . وكتب على النصارى : العفو ، وحرم عليهم الدية والقصاص . فخير الله هذه الأمة بين القصاص والعفو وأخذ الدية ، توسعة عليهم ، وتيسيرا وتفضيلا لهم على غيرهم .


[51]:: آية 183 البقرة
[52]:: آية 3 الحشر