قال ابن معسود : بنو إسرائيل ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، من العتاق الأول{[3]} وهن من تلادي{[4]} ، يريد أنهن [ نزلن{[5]} ] في أول ما{[6]} نزل [ من القرآن{[7]} ] وهو صغير{[8]} .
قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } [ 1 ] إلى قوله : { السميع البصير } [ 1 ] .
" سبحان " عند الخليل وسيبويه منصوب على المصدر ، إلا أنه لا ينصرف لأنه معرفة في آخر[ ه {[40174]} ] زائدتان {[40175]} . وحكى سيبويه : أن من العرب من {[40176]} ينكره فيصرفه {[40177]} .
وقال أبو عبيدة : هو منصوب على النداء {[40178]} .
وقال بعضهم . هو موضوع {[40179]} موضع المصدر فنصب لوقوعه موقعه {[40180]} ، فهو موضع تسبيح .
و {[40181]} التسبيح : يكون {[40182]} [ بمعنى {[40183]} الصلاة ، ومنه قوله تعالى في يونس :
{ فلولا أنه كان من المسبحين } أي {[40184]} : من المصلين {[40185]} .
وفي لغة لبض أهل [ اليمن {[40186]} ] ، يستعملونه في معنى الاستثناء ، ومنه قوله : { ألم أقل لكم لولا تسبحون } {[40187]} أي : تستثنون إذا أقسمتم { ليصرمنها {[40188]} مصبحين } {[40189]} ولم يستثنوا . فإنما ذكر [ هم {[40190]} ] بتركهم الاستثناء {[40191]} .
ويستعمل في معنى النور {[40192]} . ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ذلك لأحرقت {[40193]} سبحات وجهه . . . " {[40194]} ، أي نور وجهه .
ومعنى " سبحان الله " : براءة الله من السوء {[40195]} . كذلك فسره النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن معنى التسبيح .
وروي عنه أنه سئل {[40196]} عن معنى سبحان [ الله {[40197]} ] ، فقال : تنزيه لله من كل سوء {[40198]} . وسئل عنها علي {[40199]} [ رضي الله عنه {[40200]} ] فقال : هي كلمة رضيها الله لنفسه {[40201]} . وعنه أيضا أنه قال : هي كلمة أحبها الله وضيها لنفسه فأحب أن تقال {[40202]} .
ومعنى المسجد الحرام [ أي {[40203]} ] : المسجد الممنوع من الصيد فيه ، لأن الحرم {[40204]} . ممنع {[40205]} . والحرم كله مسجد {[40206]} .
عن أم هانئ {[40207]} أنها قالت : ما أسري برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلا وهو [ في بيتي ] {[40208]} .
قيل : إنما أسري به من المسجد . عن قتادة عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة [ وهو رجل من قومه ، قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : بينا {[40209]} [ أنا {[40210]} ] عند البيت بين النائم واليقظان ، إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة : فأوتيت بطست من ذهب فيه ماء {[40211]} زمزم ، قال : فشرح صدري فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم [ ثم {[40212]} ] أعيد مكانه ثم خشى إيمانا وحكمة ، ثم أتيت بدابة بيضاء {[40213]} يقال لها البراق ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع {[40214]} خطوه أقصى طرفه ، فحملت عليه . ثم انطلقنا {[40215]} حتى /[ أ {[40216]} ] تيت السماء الدنيا . ثم ذكر الحديث بطوله .
قال ابن شهاب ، أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق وهي دابة إبراهيم خليل الرحمن التي كان يزور عليها البيت الحرام يقع حافرها موقع طرفها . قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية فنفرت العير ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء فأتي بقدحين :
قدح خمر ، وقدح لبن ، فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قدح اللبن ، فقال له جبريل [ صلى الله عليه وسلم ] : هديت إلى الفطرة لو أخذت قدح الخمر[ ل {[40217]} ]غوت أمتك . [ و {[40218]} ] قال ابن شهاب : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لقي هنالك {[40219]} إبراهيم وموسى وعيسى ، فنعتهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . فقال : أما موسى فضرب {[40220]} ، رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة . وأما عيسى [ فهو {[40221]} ] فهو رجل أحمر كأنه {[40222]} خرج {[40223]} من ديماس وأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي . وأما إبراهيم فإنه أشبه ولده به {[40224]} .
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قريشا أنه أسري به ، قال عبد الله : فارتد ناس كثير بعدما أسلموا ، فأتى أبو بكر الصديق [ رضي الله عنه {[40225]} ] فقيل {[40226]} له : صاحبكم يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة . قال أبو بكر : [ أ {[40227]} ] وقال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فاشهد [ وا {[40228]} ] إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أفتشهد {[40229]} أنه جاء الشام في ليلة واحدة ؟ فقال إني {[40230]} أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . قال {[40231]} أبو سلمة : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لما كذبتني قريش قمت {[40232]} فمثل الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " {[40233]} .
وقال أبو العالية : جاء جبريل [ إلى النبي {[40234]} ] صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل فقال جبريل لميكائيل إيتني {[40235]} بطست من ماء زمزم كيما {[40236]} أطهر قلبه وأشرح صدره . فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات ، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسس {[40237]} من ماء {[40238]} زمزم فشرح صدره ، ونزع ما كان فيه من غل ، وملاه حلما {[40239]} وإيمانا وعلما {[40240]} ويقينا وإسلاما ، وختم بين كتفيه {[40241]} بخاتم النبوءة ، ثم أتاه بدابة فحمل عليه ، كل خطوة [ منها {[40242]} ] منتهى بصره ، فسار فسار {[40243]} معه جبريل . فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد [ كما كان {[40244]} ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله ، تضاعف لهم الحسنة بسبع مائة ضعف ، و ما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين . ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما أرضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال من هؤلاء يا جبريل ؟ [ فقال ] {[40245]} هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة . ثم أتى على قوم على إقبالهم رقاع وعلى إدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع/ والزقوم ، ورضف جهنم ، وحجارتها ، فقال : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا وما الله بظلام للعبيد . ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج {[40246]} في قدر ، ولحم نيء في قدر خبيث ، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج {[40247]} الطيب ، فقال : من {[40248]} هؤلاء يا جبريل ؟ [ قال ] {[40249]} : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، والمرأة تكون عند الرجل [ الطيب {[40250]} ] فتأتي رجلا {[40251]} خبيثا فتبيت معه حتى تصبح ، قال : ثم أتى على خشبة من الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا حرقته فقال : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون {[40252]} على الطريق فيقطعونه ثم تلا { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } {[40253]} . ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها ، قال من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل من أمتك تكون عليه آمانات {[40254]} الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يزيد عليها . ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، قال : من هؤلاء [ يا جبريل ؟ قال : هؤلاء ] {[40255]} خطباء الفتنة . ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور {[40256]} عظيم فجعل الثور {[40257]} يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع ، قال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الرجل يتكلم الكلمة الطيبة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها . ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة ، وريح المسك وسمع صوتا . فقال : يا جبريل ما هذه {[40258]} الريح الطيبة الباردة وريح المسك ؟ وما هذا الصوت ؟ فقال : هذا صوت الجنة تقول : يا رب ايتني ما وعدتني فقد كثر زخرفي ، واستبرقي ، وحريري ، وسندسي ، وعبقريي ، ولؤلؤي [ ومرجاني {[40259]} ] ، وفضتي ، وذهبي ، وأكوابي ، وصحافي ، وأباريقي {[40260]} ، وفواكهي ، وعسلي ، ولبني ، وخمري {[40261]} فأين ما وعدتني ؟ فقال : لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي ، ولم يتخذ من دوني أندادا ، ومن خشيني فهو آمن ، ومن سألني أعطيته ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل علي كفيته ، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد ، وقد أفلح المؤمنون ، وتبارك الله أحسن الخالقين . قالت : قد رضيت . ثم أتى على واد فسمع {[40262]} صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة فقال : ما {[40263]} هذا يا جبريل ؟ وما هذا الصوت ؟ فقال : هذا صوت جهنم ، تقول : يا رب ، ايتني ما وعدتني ، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي {[40264]} وضريعي وغساقي وعذابي . و[ قد {[40265]} ] بعد {[40266]} قعري ، واشتد حري ، فأتني ما وعدتني ، فقال لها : لك كل مشرك ومشركة ، وكافر وكافرة ، وكل خبيث وخبيثة ، وكل جبار/ لا يؤمن بيوم الحساب ، قالت : قد رضيت . ثم أتى بحديث {[40267]} الإسراء بطوله {[40268]} ، وفيه اختلاف بين الرواة . فمذهب من قدمنا ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم [ أسرى {[40269]} ] بجسمه وعليه أكثر الناس .
وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال : كانت رؤيا من الله صادقة : وروي ذلك عن عائشة أيضا [ رضي الله عنه {[40270]} ] {[40271]} . واستدل {[40272]} الحسن على {[40273]} صحة ذلك بقوله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } [ 60 ] {[40274]} فالوحي يأتي للأنبياء في [ النوم {[40275]} ] وفي اليظقة ودليل ذلك قول إبراهيم [ صلى الله عليه وسلم {[40276]} ] { إني أرى في المنام أني [ أذبحك {[40277]} ] } {[40278]} ثم مضى لذلك ليفعل ما أمر به في النوم {[40279]} .
والاختيار عند أهل النظر {[40280]} : أن يكون أسرى الله [ عز وجل {[40281]} ] بجسمه وليست برؤيا في المنام ، والدليل على صحة ذلك : أنها {[40282]} لو كانت رؤيا رآها في منامه لم يكن في ذلك دليل ولا حجة على نبوته ، لأن كل إنسان يرى أنه ببلد بعيد وهو في بلد آخر . فقد يرى الإنسان أنه في الصين {[40283]} و[ هو {[40284]} ] . بقانة ، وبينهما سيرة نحو السنتين وأكثر . وقد قال الله [ تعالى {[40285]} ] : { أسرى بعبده } [ 1 ] ولم يقل : بروح عبده ، فلا يتعدى ما قاله الله [ عز وجل {[40286]} ] إلى غيره إلا بدليل قاطع {[40287]} .
وقوله : { إلى المسجد الأقصا } [ 1 ] يعني مسجد بيت المقدس .
وقوله : { باركنا حوله } [ 1 ] .
أي : جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وكثرة ثمارهم وطيبها {[40288]} . وقيل معناه : أن الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى كلهم كانوا ببيت المقدس فمعنى البركة فيه أنه طهر من الشرك وبوعد منه وخص بالأنبياء {[40289]} .
وقوله : { {[40290]} لنريه من آياتنا } [ 1 ] .
أي {[40291]} : أسري بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] لكي يرى من آيات الله [ عز وجل {[40292]} ] وعجائبه [ سبحانه {[40293]} ] وذلك ما رآه {[40294]} [ في {[40295]} ] طريقه مما ذكرنا بعضه . وروي : أن أهل مكة قالوا للنبي عليه السلام : إن لنا في طريق الشام إبلا ، فأخبرنا خبرها ومتى تقدم . فأخبرهم أنها تقدم عليهم في يوم سماه لهم مع شروق الشمس ، وأنه فقد منها جمل أورق فخرجوا في ذلك اليوم فقال أحدهم : هذه الشمس قد أشرقت وقال : هذه الإبل قد [ أقبلت {[40296]} ] {[40297]} .
وقوله : { إنه هو السميع البصير } [ 1 ] معناه السميع لما {[40298]} يقول هؤلاء المشركون من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك . البصير بما يعملون . لا يخفى عليه شيء من ذلك {[40299]} .
وكسرت " إن " في قوله : " إنه " لأن معنى الكلام : قل يا محمد سبحان الذي أسرى بعبده ، وقل {[40300]} [ يا محمد {[40301]} ] إنه هو {[40302]} .
ويروى : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلم قريشا بالإسراء كذبوه ، وقالوا له : نسألك عن عير لنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ فقال : نعم . فقالوا : أين ؟ قال : مررت على عير بني فلان بالرواح {[40303]} ، قد أضلوا ناقة لهم ، وهم في طلبها . فمررت على [ ر {[40304]} ] حالهم وليس بها منهم أحد . فوجدت في إناء من آنيتهم ماء فشربته/فسلوهم إذا رجعوا هل وجدوا الماء [ في {[40305]} ] الإناء {[40306]} أم لا ؟ فقالوا : هذه آية . قال : ومررت على عير بني {[40307]} فلان فنفرت مني الإبل فانكسر منها جمل أحمر عليه أبناء فلان . فقالوا : هذه {[40308]} آية أخرى . [ قال ومررت على عير بني فلان {[40309]} ] بالتنعيم حين انشق الفجر . قالوا : فإن كنت صادقا ، فإنها تقدم الآن . قال أجل . قالوا : فحدثنا بعدتها ، وأحمالها ، ومن فيها . قال : كنت مشغولا عنها . فمثل ذلك لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال هي {[40310]} منحدرة من الثنية يقدمها جمل أورق عدتها كذا وكذا ، وأحمالها كذا وكذا ، فيها فلان وفلان ، يسمي {[40311]} الرهط الذين فيها ، وخرج رهط من قريش يسعون إلى الثنية فإذا هم بها حين انحدرت على ما [ وصفها {[40312]} ] لهم [ النبي ] {[40313]} صلى الله عليه وسلم {[40314]} .
وأخبار الإسراء كثيرة مختلفة الألفاظ ، منها المطول ، ومنها المختصر ، والمعاني متقاربة ، فاقتصرنا على ما ذكرنا اختصارا .