قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية [ 103 ] .
هذه الآية نزلت في سبب{[18188]} أقوام سألوا النبي مسائل امتحانا له ، فيقول له بعضهم : ( من أبي ){[18189]} ؟ ويقول بعضهم إذا ضَلَّت ناقته : أين ناقتي ؟ فنهى الله عن ذلك{[18190]} .
قال أنس : سأل الناس النبي حتى أحفوه{[18191]} بالمسألة ، فصعد{[18192]} المنبر ذات يوم وقال : " لا تسألوني عن شيء إلا بينتُ{[18193]} لكم " . فألقى{[18194]} الناس ثيابهم على رؤوسهم يبكون ، فأنشأ رجل{[18195]} كان إذا لاحى{[18196]} دعي بغير أبيه{[18197]} – فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ ، قال{[18198]} : حذافة ، فقام عمر فقبّل{[18199]} رِجلَ{[18200]} رسول الله فقال : رضينا{[18201]} بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ، أعوذ بالله من شر الفتن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده لقد صُوِّرت مثل ( النار والجنة ){[18202]} آنفا في عُرض هذا الحائط ، فلم ( أر كاليوم ){[18203]} في الخير والشر " . قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة له : ما رأيت ولدا أعقَّ{[18204]} منك قط ! ، أكنت تأمن أن تكون أمُّك قد قارفت ما قارف{[18205]} أهل الجاهلية ، فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال : والله لو ألحقني{[18206]} بعبد/ أسود للحقته{[18207]} .
وقال أبو هريرة : خرج رسول الله صلى الله عليه – وهو غضبان – حتى{[18208]} جلس على المنبر ، فقام إليه رجل ( فقال ){[18209]} : أين أنا{[18210]} ؟ فقال : في النار . و( قام آخر فقال ){[18211]} : من أبي{[18212]} ؟ ، قال{[18213]} : ( أبوك ){[18214]} حذافة . فقام عمر ( وقال ){[18215]} : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما ، فنزلت هذه الآية{[18216]} .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لما نزلت هذه الآية { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }{[18217]} ، قالوا{[18218]} : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كل عام ؟ فسكت ، ثم قال : لا ولو قلت ( نعم ) لوجب ، فأنزل ( الله ){[18219]} الآية{[18220]} .
وروي أنه قال لما كرر عليه السؤال{[18221]} ، والذي نفسي بيده ، لو قلت : ( نعم ) لوجبت ، ( ولو{[18222]} وجبت ){[18223]} عليكم ، ما أطعتموه{[18224]} ، ولو تركتموه لكفرتم{[18225]} ، فأنزل الله { لا تسألوا عن أشياء } الآية{[18226]} .
وروي عنه أنه قال : لو قلت ( نعم ){[18227]} لوجبت ، و( لو وجبت ){[18228]} ثم تركتم ، لهلكتم ، أسكتوا عني ما سكت عنكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فأنزل الله الآية{[18229]} .
وهذه القصة{[18230]} فيها ثلاثة فصول من النظم مختلفة :
فمن قوله : { يا أيها }{[18231]} إلى قوله : { تسؤكم } : نهى عن السؤال للنبي فيما لا يعنيهم ، فهذا فصل .
- والثاني : قوله : { وإن تسألوا عنها } إلى{[18232]} { لكم } والمعنى : وإن تسألوا عن أشياء أخَر – غير الأول – تظهر لكم ، ( لأن ){[18233]} الله قد نهاهم{[18234]} عن السؤال ، فكيف ( يبيح لهم ){[18235]} ذلك ؟ إنما{[18236]} تقديره : وإن تسألوا عن غيرها حين ينزل القرآن تظهر لكم ، فيكون الكلام فصلا{[18237]} ثانيا ( مبينا{[18238]} على حذف ){[18239]} المضاف وهو ( غير ) ، إذ قد امتنع{[18240]} أن يقول لهم : لا تسألوا عن ذلك ، وإن تسألوا عنه حين ينزل القرآن يظهر لكم ، فلما امتنع هذا لم يكن بد من تقدير حذف{[18241]} .
والفصل الثالث : قوله : { قد سألها قوم }{[18242]} [ 104 ] .
فهذا سؤال لغير شيء ، والسؤال الأول والثاني إنما هما{[18243]} سؤال عن الشيء : ما هو ؟ وكيف هو ؟ سؤال عن حال{[18244]} .
وعن ابن عباس أنهم سألوا عن{[18245]} البحيرة ( والسائبة ){[18246]} والوصيلة والحامي ، فأنزل الله الآية ينهى عن السؤال ، قال : ألا ترى أن{[18247]} بعده { ما جعل الله من بحيرة } الآية{[18248]} ، فهو جواب لمن سأل عنه{[18249]} .
قوله : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم }[ 104 ] .
أي : ولكن [ إن تسألوا ]{[18250]} عنها إذ أنزل القرآن بها ، فإنها تظهر لكم{[18251]} ، قال تعالى{[18252]} : { ما فرطنا في الكتاب من شيء }{[18253]} فنهاهم أن يسألوا عما{[18254]} لم يُنزِل به كتابا ولا وحيا .
قوله : { عفا الله عنها } أي : ما لم يكن مذكورا في حلال ولا{[18255]} حرام ، فهو شيء عفا الله عنه ، فلا تبحثوا عنه ، فإنما هي أشياء حرمها الله فلا تنتهكوها ، وأشياء أحلها فلا تحرموها ، وأشياء عفا عنها وسكت عنها ، فلا تبحثوا عنها ، فلعلها إن ظهر{[18256]} لكم حكمها ساءكم ذلك ، وإن سألتم عنها إذا نزل القرآن بها ظهرت لكم{[18257]} .
{ والله غفور{[18258]} } أي : ساتر لذنوبكم ، { حليم } عما ترتكبون من مخالفته{[18259]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.