الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية [ 103 ] .

هذه الآية نزلت في سبب{[18188]} أقوام سألوا النبي مسائل امتحانا له ، فيقول له بعضهم : ( من أبي ){[18189]} ؟ ويقول بعضهم إذا ضَلَّت ناقته : أين ناقتي ؟ فنهى الله عن ذلك{[18190]} .

قال أنس : سأل الناس النبي حتى أحفوه{[18191]} بالمسألة ، فصعد{[18192]} المنبر ذات يوم وقال : " لا تسألوني عن شيء إلا بينتُ{[18193]} لكم " . فألقى{[18194]} الناس ثيابهم على رؤوسهم يبكون ، فأنشأ رجل{[18195]} كان إذا لاحى{[18196]} دعي بغير أبيه{[18197]} – فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ ، قال{[18198]} : حذافة ، فقام عمر فقبّل{[18199]} رِجلَ{[18200]} رسول الله فقال : رضينا{[18201]} بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ، أعوذ بالله من شر الفتن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده لقد صُوِّرت مثل ( النار والجنة ){[18202]} آنفا في عُرض هذا الحائط ، فلم ( أر كاليوم ){[18203]} في الخير والشر " . قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة له : ما رأيت ولدا أعقَّ{[18204]} منك قط ! ، أكنت تأمن أن تكون أمُّك قد قارفت ما قارف{[18205]} أهل الجاهلية ، فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال : والله لو ألحقني{[18206]} بعبد/ أسود للحقته{[18207]} .

وقال أبو هريرة : خرج رسول الله صلى الله عليه – وهو غضبان – حتى{[18208]} جلس على المنبر ، فقام إليه رجل ( فقال ){[18209]} : أين أنا{[18210]} ؟ فقال : في النار . و( قام آخر فقال ){[18211]} : من أبي{[18212]} ؟ ، قال{[18213]} : ( أبوك ){[18214]} حذافة . فقام عمر ( وقال ){[18215]} : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما ، فنزلت هذه الآية{[18216]} .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لما نزلت هذه الآية { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }{[18217]} ، قالوا{[18218]} : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كل عام ؟ فسكت ، ثم قال : لا ولو قلت ( نعم ) لوجب ، فأنزل ( الله ){[18219]} الآية{[18220]} .

وروي أنه قال لما كرر عليه السؤال{[18221]} ، والذي نفسي بيده ، لو قلت : ( نعم ) لوجبت ، ( ولو{[18222]} وجبت ){[18223]} عليكم ، ما أطعتموه{[18224]} ، ولو تركتموه لكفرتم{[18225]} ، فأنزل الله { لا تسألوا عن أشياء } الآية{[18226]} .

وروي عنه أنه قال : لو قلت ( نعم ){[18227]} لوجبت ، و( لو وجبت ){[18228]} ثم تركتم ، لهلكتم ، أسكتوا عني ما سكت عنكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فأنزل الله الآية{[18229]} .

وهذه القصة{[18230]} فيها ثلاثة فصول من النظم مختلفة :

فمن قوله : { يا أيها }{[18231]} إلى قوله : { تسؤكم } : نهى عن السؤال للنبي فيما لا يعنيهم ، فهذا فصل .

- والثاني : قوله : { وإن تسألوا عنها } إلى{[18232]} { لكم } والمعنى : وإن تسألوا عن أشياء أخَر – غير الأول – تظهر لكم ، ( لأن ){[18233]} الله قد نهاهم{[18234]} عن السؤال ، فكيف ( يبيح لهم ){[18235]} ذلك ؟ إنما{[18236]} تقديره : وإن تسألوا عن غيرها حين ينزل القرآن تظهر لكم ، فيكون الكلام فصلا{[18237]} ثانيا ( مبينا{[18238]} على حذف ){[18239]} المضاف وهو ( غير ) ، إذ قد امتنع{[18240]} أن يقول لهم : لا تسألوا عن ذلك ، وإن تسألوا عنه حين ينزل القرآن يظهر لكم ، فلما امتنع هذا لم يكن بد من تقدير حذف{[18241]} .

والفصل الثالث : قوله : { قد سألها قوم }{[18242]} [ 104 ] .

فهذا سؤال لغير شيء ، والسؤال الأول والثاني إنما هما{[18243]} سؤال عن الشيء : ما هو ؟ وكيف هو ؟ سؤال عن حال{[18244]} .

وعن ابن عباس أنهم سألوا عن{[18245]} البحيرة ( والسائبة ){[18246]} والوصيلة والحامي ، فأنزل الله الآية ينهى عن السؤال ، قال : ألا ترى أن{[18247]} بعده { ما جعل الله من بحيرة } الآية{[18248]} ، فهو جواب لمن سأل عنه{[18249]} .

قوله : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم }[ 104 ] .

أي : ولكن [ إن تسألوا ]{[18250]} عنها إذ أنزل القرآن بها ، فإنها تظهر لكم{[18251]} ، قال تعالى{[18252]} : { ما فرطنا في الكتاب من شيء }{[18253]} فنهاهم أن يسألوا عما{[18254]} لم يُنزِل به كتابا ولا وحيا .

قوله : { عفا الله عنها } أي : ما لم يكن مذكورا في حلال ولا{[18255]} حرام ، فهو شيء عفا الله عنه ، فلا تبحثوا عنه ، فإنما هي أشياء حرمها الله فلا تنتهكوها ، وأشياء أحلها فلا تحرموها ، وأشياء عفا عنها وسكت عنها ، فلا تبحثوا عنها ، فلعلها إن ظهر{[18256]} لكم حكمها ساءكم ذلك ، وإن سألتم عنها إذا نزل القرآن بها ظهرت لكم{[18257]} .

{ والله غفور{[18258]} } أي : ساتر لذنوبكم ، { حليم } عما ترتكبون من مخالفته{[18259]} .


[18188]:ب: سيف من غير نقطة الفاء.
[18189]:ب ج د: أي.
[18190]:انظر: تفسير الطبري 11/98، وهو قول ابن عباس في أسباب النزول 141، ولباب النقول 98.
[18191]:ب: حفوة.
[18192]:ج: فهد.
[18193]:ب: بينته.
[18194]:ب: في القى.
[18195]:هو أبو حذافة عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي القرشي، بعثه رسول الله إلى كسرى وهاجر إلى الحبشة، مات بمصر أيام عثمان سنة 33 هـ. انظر: التقريب 1/409، والأعلام 4/78.
[18196]:لاحى: أي: خاصم ونازع وشاتم. انظر: اللسان: لحا.
[18197]:ب: الله.
[18198]:ب: فقال.
[18199]:ب: وقيل.
[18200]:من: ب ج د، وفي غيرها: برجل.
[18201]:ب: ارضينا.
[18202]:ب ج د: الجنة والنار.
[18203]:ب: أراك اليوم.
[18204]:ب ج د: أعز.
[18205]:ب: قربت. ج د: قارفت.
[18206]:ب: لحقني.
[18207]:هو قول قتادة أيضا في تفسير الطبري 11/102، وفي جامع الأصول 2/122 – 125 ح: 606 – بعدة روايات – أنه أخرجه البخاري 8/218 في تفسير سورة المائدة، ومسلم ح: 2359 في الفضائل، والترمذي ح: 2058.
[18208]:ج: ثم.
[18209]:ساقطة من ب.
[18210]:في تفسير الطبري 11/103: أبي.
[18211]:ج د: قال آخر.
[18212]:ب: أنا.
[18213]:د: فقال.
[18214]:ساقطة من ب ج د.
[18215]:ب ج د: فقال.
[18216]:انظر: تفسير الطبري 11/103، وأخرجه البخاري في تفسير المائدة، ومسلم في الفضائل والترمذي ح: 3058 انظر: جامع الأصول 2/122 -125.
[18217]:آل عمران: آية 97.
[18218]:ج د: فقالوا.
[18219]:ساقطة من ب.
[18220]:انظر: تفسير الطبري 11/104، وأسباب النزول 142، ولباب النقول 98 و99. وأخرجه الترمذي في تفسير (المائدة) وابن ماجة في (الحج): انظر: جامع الأصول 3/4 ح: 1266.
[18221]:ب ج د: القول.
[18222]:ب: علو.
[18223]:ج د: ولوجبت.
[18224]:ب: اطعتموه.
[18225]:ب: تكفرتم.
[18226]:هو أواخر رواية أبي هريرة في تفسير الطبري 11/105 وفيه (أطقتموه) بدل (أطعتموه). وأخرجه الترمذي وابن ماجه: انظر: جامع الأصول 3/4/ح: 1266.
[18227]:ساقطة من ج د.
[18228]:ج د: لوجبت.
[18229]:وهو من أواخر رواية أبي هريرة في تفسير الطبري 11/105 و106 وفيه (لضللتم) بدل (لهلكتم)، والسائل هو محصن الأسدي. وأخرجه النسائي في المناسك 5/110 و11، وانظر: جامع الأصول 3/5.
[18230]:د: ي القصة.
[18231]:ب ج د: يا أيها الذين آمنوا.
[18232]:ج د: إلى قوله.
[18233]:أ: أن.
[18234]:ب: نها. ج د: نهيكم.
[18235]:مخرومة في أ.
[18236]:ب ج د: وإنما.
[18237]:ب: مفصلا.
[18238]:ج: مبنيا.
[18239]:ب: امتنغ.
[18240]:د: يطهر.
[18241]:وفي التفسير الكبير 12/107: (حسن اتحاد الضمير وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين، وانظر: أحكام القرطبي 6/333، وتفسير البحر 4/30/31.
[18242]:ب ج د: قوم من قبلكم.
[18243]:ب ج د: هو.
[18244]:انظر: التفسير الكبير 12/107، و108، وتفسير البحر 4/30 وما بعدها.
[18245]:ج: على.
[18246]:ساقطة من ب ج د.
[18247]:ب ج د: لما.
[18248]:المائدة: 105.
[18249]:انظر: تفسير الطبري 11/111.
[18250]:مطموسة في أ. ب ج د: سلوا. والصواب ما أثبته.
[18251]:انظر: تفسير الطبري 11/113، والمحرر 5/208، والتفسير الكبير 12/107، وفي أحكام القرطبي 6/333: (أو مست حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تُبْدَ لكم).
[18252]:د: الله العظيم.
[18253]:الأنعام: 39.
[18254]:د: عن ما.
[18255]:ب: الا.
[18256]:ج د: يظهر.
[18257]:انظر: تفسير الطبري 11/113 و114.
[18258]:ب: غفورا.
[18259]:انظر: تفسير الطبري 11/114.